نفّذت إيران تهديدها وردّت على العدوان الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق والذي أدى إلى مقتل عدد من ضباطها الكبار. وقد تجاوز الرد الإيراني خطاً أحمر مهمّاً لم تتجاوزه إيران من قبل، وهو ضرب “إسرائيل” بمسيّرات وصواريخ منطلقة من داخل الأرض الإيرانية. فطهران مهتمة جداً بتثبيت خطوط الردع الحمر بينها وبين “إسرائيل”، خصوصاً بعدما تجاوت الأخيرة هذه الخطوط أولاً باستهدافها مؤسسة دبلوماسية إيرانية.
وقد شكّلت عملية الرد الإيرانية سابقة تمثلت بالاستهداف العلني ل”إسرائيل” من داخل الحدود الإيرانية، لا من لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن، ما عُدّ كسرا إيرانيا لأحد أهم الخطوط الحمر المرسومة بينها وبين “إسرائيل”؛ رداً على كسر “إسرائيل” لخط أحمر آخر.
كل ذلك ينبئ بأن الصراع الإستراتيجي بين الطرفين بدأ يخرج من نطاق الحرب الخفية غير المباشرة إلى الحرب الصريحة المباشرة. وهنا، أصبحت الكرة في الملعب الإسرائيلي، فإذا ردّت “إسرائيل” على الهجوم الإيراني بضرب الأراضي الإيرانية، فستخرج الأمور عن لعبة الردع المعتادة بين الطرفين، ويصبح التحكّم بسقف الصراع صعباً في المستقبل، خصوصاً بالنسبة لواشنطن الحريصة على التحكّم بمسار الصراع ومداه.
على الرغم من ذلك، فإن إيران نفذت ضربة مدروسة لا تؤدي إلى حرب شاملة لكنها تنطوي على رسائل ردعية وتؤسس لمعادلة جديدة في وجه التدحرج الإسرائيلي في استهدافها. وعليه، صمّمت طهران عملية مركبة عسكرياً وسياسياً تحظى بزخم إعلامي كبير، مع تحقيق أهداف عسكرية محدودة مثل المقر الاستخباراتي في جبل الشيخ (موقع حرمون) الذي يقع على ارتفاع 2100 متر وتعمل فيه الوحدة 8200 بشكل خاص ويتم فيه التنصت على المحادثات باللغة العربية، وقاعدة نيفاتيم الجوية جنوب شرق بئر السبع وهي القاعدة الرئيسية لطائرات أف 35، وقاعدة رامون الجوية بالقرب من صحراء النقب والتي يتمركز فيها أسراب من الطائرات الحربية والمروحية وهي مقر الفرقة 98 المؤلفة من ألوية المظليين والكوماندوز التي تشارك في العدوان على غزة.
ولخّص القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، أهداف العمليةالمحدودة والمحصورة بالردّ على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية في دمشق، بـ”إرساء معادلة جديدة مع إسرائيل وهي الرد على أي إعتداء إسرائيلي من الأراضي الإيرانية مباشرة”، و”فتح صفحة جديدة من الاشتباك مع إسرائيل”. التأكيد الإيراني على أن العملية محدودة ومحصورة بهدف الردّ على الاعتداء على القنصلية في دمشق، يفسّر عدم استخدامها الصواريخ والطائرات الأكثر تطوراً، وعدم الاعتماد في الهجوم على حلفائها في لبنان أو اليمن أو سوريا أو العراق، كما أنها لم تستخدم في هجومها أسلحة وذخائر لا تعرفها او لا تتوقعها “إسرائيل”، التي كشفت عن كل أوراقها الدفاعية، بينما لم تكشف إيران عن كل أوراقها الهجومية، بل ونجحت في كشف “إسرائيل” لجهة اعتمادها المطلق على منظومات الحماية الدولية والإقليمية، مثل الأميركية والفرنسية والبريطانية والأردنية، وكذلك كشفت إيران طبقات الحماية الإسرائيلية وأدوات عملها وأماكنها وكيفيات عملها وتنسيقها بين بعضها سواء داخل “إسرائيل” أو في الإقليم.
على كل حال، فإن الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي، وقد قالت “تل أبيب” إنها ستردّ على طهران “في المكان والزمان المناسبين”. لكن الأمر لا يبدو سهلاً بالنسبة للقادة الإسرائيليين، خصوصاً مع تهديدات طهران بأن ردها على الرد الإسرائيلي سيكون أكبر وأقوى بما لا يُقاس بالرد الأول. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن الإدارة الأميركية تفعّل المزيد من الضغوط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، لكي لا يتهور أكثر.
ثمة تقدير أميركي يقول إن الرئيس جو بايدن شخصياً بات يشعر بأن نتنياهو يجرّه مكرها ع
الى مستنقع التوترات في الشرق الأوسط، فيما يريد هو من “تل أبيب” ضبط النفس، فاقترح على نتنياهو أن يعتبر أن الهجوم الإيراني فشل وأن “إسرائيل” قد انتصرت وينتهي الأمر عند هذا الحدّ. وبحسب وسائل الإعلام الأميركية فقد أرسل بايدن لنتنياهو رسالة واضحة مفادها: “لقد تم إحباط الهجوم الإيراني، وإسرائيل انتصرت، فلا تصعدوا الأمر أكثر من خلال الرد بضربات عسكرية على الأراضي الإيرانية”.
في المقابل، هناك الكثير من الأسباب التي تدفع نتنياهو للرد، إذ إنه ولأول مرة، تقوم إيران بمهاجمة “إسرائيل” من أراضيها مباشرة، مطلقة نحو 300 طائرة مسيّرة وصواريخ كروز وصواريخ باليستية. وهذا ما يضع نتنياهو أما احتمال من اثنين، أن يعتبر الهجوم الإيراني ذروة التصعيد، ويلجأ إلى ردّ يحفظ ماء الوجه وينصاع للرغبة الأميركية، وقد يكون هذا الرد عسكري مباشر شبيه بالرد الإيراني أو عمل أمني ما. أما الاحتمال الثاني، فهو أ يلجأ نتنياهو إلى رد تصعيدي كبير، يستدعي رداً إيرانياً بذات المستوى والحجم وهو ما سيضع المنطقة أمام احتمالات تصعيدية خطيرة.
هنا، يبقى الموقف الأميركي وقدرته على التأثير في الرد الإسرائيلي المحتمل، حاسماً في توقع المشهد المستقبلي لهذه الجولة من الصراع المباشر بين إيران و”إسرائيل”. وهو ما قد يفسّر المشاركة الأميركية والفرنسية والبريطانية والأردنية في الجهد الدفاعي عن “إسرائيل”، والتي أتت بهدف منع إصابة الصواريخ الإيرانية أهدافها داخل الكيان الإسرائيلي، بما يجعل واشنطن أقدر على إدارة التصعيد في المرحلة المقبلة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :