يبدو أن الدول المعنية بالوضع اللبناني، قد استسلمت إلى حالة الاستعصاء الداخلي لحل الأزمات المتراكمة، من أزمة شغور رئاسة الجمهورية، إلى المواجهات المتصاعدة في الجنوب وارتباطها بالحرب الإسرائيلية على غزة واستحالة فصلها عن الوضع الجنوبي، وغيرها من أزمات تبدأ بالخلافات الداخلية المستحكمة بين الأطراف ولا تنتهي بأزمة النازحين السوريين، مروراً بالأزمة المعيشية.
بدا هذا الاستسلام للاستعصاء اللبناني في حركة الموفدين الأوروبيين مؤخراً، منذ كان وزير خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون في بيروت قبل أسبوعين تقريباً، مروراً بزيارة السناتورين كونز وبلومنتال من مجلس الشيوخ الأميركي، والوفد الفرنسي المشترك لوزارتي الخارجية والدفاع، وصولاً إلى وزير خارجية النمسا الكسندر شالنبرغ قبل يومين، والذي أعلن بكل صلف تأييده للكيان الإسرائيلي منتقداً بشدة ما تقوم به المقاومة في غزة ولبنان والساحات الأخرى. وقد سمع جميع الموفدين من المسؤولين اللبنانيين موقفاً واحداً، يرفض كل العروض التي حملوها بتكليف واضح من الكيان الإسرائيلي، مع مفارقة سياسية تمثلت بقول وزير الخارجية عبد الله بو حبيب مؤخراً إن “الحكومة اللبنانية على تنسيق كامل مع حزب الله، وإذا فتحت إسرائيل الحرب فلبنان مستعد لها، ولن تكون نزهة”.
عاد الموفدون “بخفّي حنين”، على الرغم من محاولات أوروبا، وبدفع اميركي، استبدال هذا الموفد من هذه الدولة بموفد آخر من تلك الدولة… وهكذا، لم تبقَ دولة أوروبية لم تجرب حظّها مع لبنان، وفشلت في فرض شروط “إسرائيل” التي باتت معروفة. وعلى هذا، أصبح من الصعب على أي دولة اخرى أن تجرب مجدداً إقناع لبنان بما لا يتلاءم مع مصالحه الوطنية الكبرى.
ولهذا ايضاً، قد تتعرض زيارة الموفد الاميركي آموس هوكشتاين، الذي سيزور لبنان قريباً، كما أعلن الرئيس نجيب ميقاتي، إذا نجح الاتفاق الجديد في شأن غزة، إلى فشل جديد، في حال لم يحمل معه مقاربة وأفكاراً جديدة تتناسب مع ما سمعه، هو وغيره في زياراتهم المتكررة، من مطالب لبنانية حول تثبيت الحدود البرية، وتطبيق القرار 1701 من جانب الكيان الإسرائيلي، كما من جانب لبنان.
هذه المعطيات تشير إلى أن حركة الموفدين الدوليين ستتراجع، وتترك الساحة اللبنانية لترتيبات أميركية جديدة، إذا أرادت الإدارة الأميركية فعلاً منع توسّع الحرب في المنطقة، كما تقول، فيما المعطيات السياسية والميدانية تفيد بأنها دخلت الحرب عملياً عبر ضرباتها في اليمن والعراق وشمال سوريا، وتلقيها بالمقابل ضربات من هنا وهناك.
وحتى اليوم، لم يظهر أي تأثير أميركي على الكيان الإسرائيلي، لجهة وقف المجازر بحق المدنيين وإدخال المواد الغذائية والطبية إلى قطاع غزة، ولم يظهر أي تأثير أيضاً على منع “إسرائيل” من استهداف المدنيين والمؤسسات العامة والخاصة والمدارس في جنوب لبنان، فكيف ستتعامل الإدارة الأميركية مع الوضع الجنوبي وهي تتبنى عملياً ارتكابات الكيان الاسرائيلي في لبنان وغزة، وتعلم أن لبنان، الرسمي والشعبي والمقاوم، لن يستجيب لأي طلب أو شرط إسرائيلي؟
الجواب رهن بما سيحمله هوكشتاين هذه المرة، إذا لم تتعرض زيارته لبيروت إلى انتكاسة جديدة بفعل ارتكابات “إسرائيل” وتم إلغاؤها أو تأجيلها!
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :