محمد رعد... النائب الذي أورَث "المقاومة" لنجله حتى الشهادة...

محمد رعد... النائب الذي أورَث

 

Telegram

 

في ١٣ أيلول ١٩٩٧ يوم استُشهد نجل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قال سماحته: حين وقفت على المنبر بعد استشهاد ولدي هادي واجهتني عشرات الكاميرات التلفزيونية بالمصابيح الكهربائية الهائلة الطاقة، كان الحر فوق الإحتمال، خصوصاً أن هذه المصابيح تُنتِج حرارة شديدة، إضافة إلى أنها تُضايق البصر، لا سيما بالنسبة لمن يَستخدم النظارات مثلي.


بدأت خطابي كالمعتاد في مناسبات كهذه… وفي لحظة معينة، شعرت أنني لم أعد أرى، إذ كان العرق يَنهمر على وجهي غزيراً ويُغطي زجاج النظارتين، هممت بأن أمد يدي إلى علبة المحارم على الطاولة أمامي، لكي أمسح عرقي، على الأقل عن نظارتي.. لكنني فكرت أن بين هذه التلفزيونات التي تنقل الحفل مَن هي أجنبية الهوية، وربما تبيع بعض إنتاجها لـ "إسرائيل"…  وسيَفترض الجميع أنني أمسح دمعي لا عرقي إذا أنا أخذت منديلاً ومررته على وجهي، جمّدت يدي وفضّلت أن أسبح بعرقي على أن أعطي العدو صورة الأب المفجوع، بينما هو يدعو الآخرين إلى الشهادة..


بعد ٢٦ عاماً تكرّر المشهد مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة وعضو شورى حزب الله الحاج محمد رعد عندما تلقّى خبر استشهاد نجله عباس حيث خرج ببسمته النادرة الى العالم وبكلماته التي تعبّر عن عمق إيمانه وصلابته، مبارِكاً للسيد نصرالله الذي قال إنه تعلّم منه كيف يكون أباء الشهداء: صابرين، مُحتسبين، أقوياء، ثابتين على هذا النهج الجهادي المقاوم.

هذا الكلام ليس غريباً أن يَنطق به أبو حسن الذي كان قد قال منذ مدة أن كتلة الوفاء للمقاومة يجب أن تُقدِّم شهيداً والأفضل أن يَستشهد رئيسها، لم نكن نعلم أن حينها كانت أبواب السماء مفتوحة للإستجابة لهذا التمنّي العلني والدعاء السري ولكن لمَن أغلى من نفسه وهو فلذة كبده "البنون" زينة الحياة الدنيا التي لم يطلبها يوماً أبو حسن لزهده فيها..

مَن يَعرف الحاج محمد رعد يَعرف جيداً أن ما يُوحي به حضوره الشخصي هو بعض شخصيته ولذلك يُسمّونه "الرجل"، فهو في نصفه الأول معروف بأنه لا يَهتز ولا يَرتجف عند مواجهة المواقف الصعبة ولكن النصف الثاني من شخصيته لا يعرفها إلا الذين يُعايشون يومياته، فهو الزاهد الذي ورث داراً من أبيه فجعل جزءً منه قاعة لاستقبال الناس وإحياء المناسبات.


وهو الحنون الذي يَسهل عليه ذرف الدمع عند فقد عزيز أو تذكّر موقف أو لحظة شوْق للقاء.

وهو المتواضع المبادِر للسلام رغم كثرة المُحتشِدين حولَه في المناسبات، فالرجل الذي يَهدر صوته على المنبر مهدِّداً العدو، يَحنو بابتسامة عطفه على الناس الذين كلّما تذكّر ما يُصيبهم من الألم، تذكّر واجبه تجاههم.


وهو المتديّن الذي يُحدِّث نفسه دائماً بحُسن العاقبة ويعشق الشهداء والشهادة ومُتيقّن بأن سبيل الآخرة صعب دون خوف لذلك حين يَستحضر لحظة السؤال يوم القيامة يرتعد مخافة أن يرسب في الإمتحان.

وهو الأب الحريص على تفاصيل أولاده وزوجته، يستمع الى أسئلتهم ويَحمل همومهم معه ورغم كثرة الإنشغال بين بيروت والجنوب يَعتني بمكان تواجد العائلة التي لم تذق طعم الإستقرار في كل مراحل جهاده.

وهو ثقة سماحة السيد حسن نصرالله الذي يُؤمِن بنضجه الفكري ولياقته بالتعبير عن الموقف السياسي للحزب في محطات أساسية ومفصلية.

الحديث عن النائب محمد رعد بمناسبة شهادة ابنه ليس الهدف منه الإستغراق في شخصيته، بل للتعرّف على سرّ ثمرته ونموذج النواب الذين لم يُسخِّروا ثقة الناس لأجل زعامتهم ولم يُميِّزوا أولادهم بسبب شهرتهم وعلاقاتهم ولم يجنوا المال على حساب أهلهم ولذلك يُمكِن للذين غَرَّر بهم أولاد السفارات وصدَّقوا شعار "كلن يعني كلن" أن يُراجعوا حساباتهم وأن يتعرّفوا على مقدار الظلم الذي ألحقوه بعدد لا يُستهان به من الشخصيات السياسية التي لا تُشبه معايير الثورة التي أرادوها، فهُم حين تركوا سكّان القلاع والقصور وحرّضوا على مكتب الحاج محمد رعد في النبطية كانوا يؤكدون انحراف بوصلتهم، وهذه فرصتهم الآن ليُعيدوا النظر في سلامة دوافعهم التي أعماها الإعلام والمال ولا يُمكن تطهيرها إلا بالخشوع أمام الدماء وإبتسامة الرضا.

ودّع أبو حسن ابنه وضمِن له مستقبله الذي لم يَكن من أموال الناس ولا بتوريثه نيابته، وبقيَ في ساحة الدفاع عن كرامة الناس وعزّتهم وهو الحاصل على أعلى نسبة من الأصوات التفضيلية بين جميع النواب في لبنان، وأمام هذه الثقة التي ازدادت اليوم سيَشعر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة بثقل المسؤولية أكثر، سيزداد تواضعاً وإخلاصاً في تمثيل ثقافة المقاومة الأخلاقية والدينية والوطنية.

فالأصوات التي منحها شعب المقاومة للنائب محمد رعد في الإنتخابات لم يتوقّعوا أن يقابلهم بعطائه تقديم أغلى ما يملك لحمايتهم وحفظ كرامتهم وعزّتهم، فهو انضم الى قافلة الآباء القادة الذين يُستشهد أبناؤهم، وهذه إحدى العلامات المُضيئة الكبرى على مِصداق هذه المسيرة مع نفسها وبيئتها والعالم.

في محضر الشهداء لطالما كانت دمعته تسبقه، أما اليوم فخرج بعباسه الشهيد الى العالم بهذا المُحَيّا، ليُعطيهم درساً جديداً في الإيمان بالقضية والتضحية حتى بفلذات الأكباد في سبيل الله والوطن، فأي زَرعٍ زُرِع في هذا البيت وأي قيمة للتضحية موجودة فيه من الأساس، لعلّه مشهد يُترجِم ما قاله السيد نصرالله يوماً: نحن في حزب الله لا نوفِّر أولادنا للمستقبل، نحن نفخر بأولادنا عندما يذهبون للخطوط الأمامية ونرفع رؤوسنا بأولادنا عندما يَسقطون شهداء..

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram