لا يختلف سليمان فرنجية بشيء عن وجوه سلطة الثلاثين عامًا التي أودت بلبنان إلى ما وصل إليه. منحه الوجود السوري موقعًا يفوق حجمه الفعلي، واستثمر هو بمواقفه حتى وصل لما وصل إليه. في الحجم يكاد لا يتخطى بشعبيته أي شخصية مسيحية مناطقية مستقلة. الفرق أن مرآته تعطيه مقاييس مضاعفة.
حضر سياسيًا وإعلاميًا بقوة، حتى أنّه استطاع عبر داعميه دخول وزارات قد تكون محرّمة على من يملكون اليوم حجمه الشعبي والنيابي، فكان وزيرًا للصحة ومن ثمّ الداخلية. لم يستطع رغم شلّال الخدمات في الوزارتين أن يتمدّد، لا نحو عكار شمالًا ولا نحو البترون والكورة وبلاد جبيل جنوبًا، ورغم ذلك لا يزال مصرًّا حتى اليوم على وضع نفسه في إطار أكبر الزعامات المارونية، كيف؟ لديه هو وحده دون عن سائر اللبنانيين التفسير والجواب الشافيين.
العودة لأرقام آخر عمليتين انتخابيتين حصلتا عام 2009 وعام 2018 يتبيّن بوضوح حجم فرنجية المناطقي، فقد حصل عام 2009 على 19227 صوتًا، بينما حصل نجله طوني، وريث المقعد، على 11407 عام 2018 كون اختلافًا طرأ على القانون الإنتخابي وشكل التصويت. الأرقام هذه تُعتبر جيّدة جدًّا لنائب عادي لا يصوّر نفسه كزعيم عابرٍ للطوائف ومرشح رئاسي. ففرنجية ورغم تحالفه مع عائلات وازنة في زغرتا، والحزب السوري القومي الإجتماعي والوزير السابق فايز غصن في الكورة، والوزير والنائب السابق بطرس حرب في البترون، الذين شكّلوا رافعة أصوات مهمّة للائحته، فإنّه لم يستطع الحصول سوى على كتلة حزبية مؤلفة من ثلات نواب؛ طوني نجله وممثل عن آل الدويهي الذين لا يمكن تجاوزهم بأي شكل في زغرتا، وفايز غصن صديقه صاحب النفوذ في الكورة، وهو شخصية مستقلة لها حضورها.
مقارنة فرنجية بأي تيار أو حزب سياسي مسيحي أو وطني قد تكون مجحفة بحق الآخرين. النائب السابق فارس سعيد على سبيل المثال لا الحصر حصل عام 2009 على 20698 ما يفوق ب1500 تقريبًا أصوات فرنجية. سعيد، الذي واجه أعتى التيارات المسيحية وأقواها، والذي يفتقد إلى أصوات طائفة كاملة في جبيل هي الطائفة الشيعية نتيجة خياراته السياسية المتطرّفة نوعًا ما، لم يصوّر نفسه، رغم عدد أصواته التي تفوق فرنجية، أنّه زعيمًا وطنيًا بأي شكل من الأشكال. ما لم يفعله سعيد يتماهى مع تقديره الفعلي لحجمه السياسي، هو الذي لم يجد أي حزب وازن ليتحالف معه في انتخابات 2018 تمكّن من حصد 5 آلاف صوت ونيّف شكّلوا رافعة للائحة نجح منها فريد الخازن وحاز باقي أعضائها على بضع مئات من الأصوات.
بين فرنجية وسعيد تقارب بحجم التأييد الشعبي، فالأوّل تتركّز شعبيته في زغرتا الزاوية وقراها، والثاني تتركّز شعبيته في زاوية قضاء جبيل أي في الجرد تحديدًا. الفارق بينهما أن سعيد أدرك بعد سنوات من الدعم السياسي له ولوالدته أنّ الوقت حان للتصرّف ضمن القدرات وبحسب الأحجام الفعلية، فيما فرنجية لا يزال يرفض الوقوف أمام كل مرايا قصره كي لا يُسقط عن نفسه هالة الزعيم الوطني الحائز على 11 ألف صوت!
قبل حلقة صار الوقت ليل الخميس كان فرنجية يتمايز عن سعيد بموقفه من سلاح (حzب ال له) والعداء المطلق لإسرائيل. بعد الحلقة وضع فرنجية نفسه في الخندق ذاته مع المصوّبين على السلاح بذريعة سلاح الدولة الأوحد!
غمز فرنجية الحفيد من قناة سوريا التي أعربت عن سعادتها بوصول رئيس قوي لرئاسة الجمهورية مع وصول ميشال عون الى قصر بعبدا. لم يستطع، هو الذي يُقال أنّه محنّك ربّما، أن يُخفي امتعاضه ممّن حافظ على زعامته وأعطاه أكثر مما يستحق.
ولأن هذه الحنكة اشتدّ ظهورها مع توالي اسئلة مارسيل غانم، فقد سقط فرنجية في انتقاد من يراهن هو أنّهم حلفاءه في انتخابات الرئاسة المقبلة، ومن هؤلاء سمير جعجع.
دخل فرنجية حلقة الـMTV ومعه في جيبه أصوات من قد يحسم له معركة الرئاسة. خرج منها بمواقف قد تسحب منه اقتناع محور المقاومة بترشيحه!
إن أسُمع اليوم مناصرو المردة تصريحًا لفرنجية دون الاعلان عن مطلقه لاعتقدوا لوهلة أن صاحبه هو فارس سعيد.
صفاء درويش
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :