حين غرقت سوريا بحربها الضروس، وتنافس خصومها وحلفاؤها ” الافتراضيون” السابقون الذين صاروا أيضا خصوما لمّا ضعفت، كان الرئيس اللبناني ميشال عون، يفتح كل يوم الخرائط العسكرية ويتابع تطور الأوضاع لحظة بلحظة متمنيا ” انتصار ” الجيش السوري على ما اعتبره دائما “مؤامرة على سورية”. بقي الرئيس عون على تواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد قبل وبعد وصوله الى سدة الرئاسة في لبنان، رافضا كل الاغراءات المادية والمعنوية، وصادّا كل الضغوط السياسية والعسكرية والارهابية التي مورست لثنيه عن موقفه.
قال عنه الرئيس الأسد في حينه:” ان الجنرال عون خاصم سوريا بشرف وصالحها بشرف” متمنيا على اللبنانيين الالتفاف حوله لأنه رئيس وطني، وذلك في كلام سمعته أنا شخصيا من الرئيس السوري في العام ٢٠١٤.
بالفعل لم يصل خصام أحد مع سوريا الى ما كان قد وصل اليه القتال العسكري الذي قاده الرئيس ميشال عون أواخر ثمانينيات القرن الماضي والذي انتهى بنفي الجنرال المتمرد الى فرنسا ودخول الجيش السوري الى قصر بعبدا ثم تولي الجنرال اميل لحود شؤون البلاد وتوحيد الجيش اللبناني وحماية المقاومة ثم التنافر مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
حين كان عون يقاتل لأجل ما اعتبره آنذاك استقلال لبنان وخروج كل القوى الأجنبية من على أرضه، كان الكثير ممن انقلبوا على سوريا لاحقا، يتبارزون في خطب ودها والانتظار على أبواب الضباط السوريين للحصول على فُتات المناصب والمال قابلين بذُلٍّ لم تعرف البلاد مثيلا له الا في العصر العثماني.
كان مرصودا للبنان تطويق كل مقاومة على أرضه بذريعة ” السيادة والاستقلال”، وكان الجميع ينتظر عودة الجنرال عون من فرنسا لتوسيع نطاق المعركة ضد حزب الله. لكن ميشال عون عاد ليفتح صفحة جديدة فاجأت الجميع، فيمد اليد للحزب ويعقد معه أهم اتفاقية تفاهم أسست لاختراق كبير في الساحة اللبنانية وضمنت غطاء مسيحيا محترما وواسعا للحزب في معركته ضد إسرائيل. كانت ورقة التفاهم أفضل وأهم وسيلة لحماية لبنان من الانزلاق الى حروب الداخل.
لم يقبل عون كل الاغراءات والضغوط التي تعرّض لها كي يناهض الحزب. عُرضت عليه مليارات الدولارات، وفُرشت له الوعود على سجاد أحمر، لكي يقاتل حزب الله او حتى ليعلن موقفا مناهضا له ويحصل على الرئاسة، لكنه بقي وفيا لعهده مع السيد حسن نصرالله، ووصل الى الرئاسة بشرف التحالف لا بخيانته، ثم اختار ان يمد اليد للجميع، فكان الاتفاق مع تيار المستقبل ومع القوات اللبنانية ومع الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل وغيرهم.
ان رجلا كهذا، حافظ على شرف الموقف في أوج الضغوط الهائلة، لا يُمكن التشكيك به حين يتحدث عن استراتيجية دفاعية جديدة، فلو كان يريد تغيير مجاري الرياح، لكان فعل في مرحلة ضعف الجميع، وهشاشة الجميع، وتخاذل الجميع، فهل يفعل فيما الشريك والحليف الذي تحالف معه في معركة الوصول الى الرئاسة ضد كل الرياح الإقليمية والدولية، يتصدر المشهد في لبنان والمنطقة؟
ان رجلا يقاتل بشرف، ويتحالف بشرف، من الصعب التشكيك به في المنعطفات، حتى ولو كان الغرب الأطلسي وعلى رأسه أميركا حاليا يمارسون أقسى الضغوط ويهددون بتوسيع العقوبات على شركاء حزب الله، وينذرون بعدم السماح لرئيس التيار الوطني جبران باسيل بالوصول الى الرئاسة ما لم يفككوا التحالف مع الحزب.
لا تشككوا بمن صد ّالرياح في أوج الوهن، فمثله في هذه البلاد قليلُ.
نسخ الرابط :