الحركة السورية القومية الاجتماعية هي ابداع الامة السورية في الزمن الحديث، وهذا الابداع اختلف عن غيره من الابداعات التي سبقته والتي كان لها تأثيرها الواضح والجلي على بقية الشعوب ،بأنه جاء مبكرا جدا، لذلك اعتبره المُعبِّر عن ارادة الامة ،أنه لأجيال لم تولد بعد. فعندما اطلق الزعيم هذه العبارة العظيمة كان يشير الى الاوفياء والمخلصين من امناء النهضة بإشارة تدعوهم الى الانتباه والتيقظ والعمل بصمت وصبر، لأن زمن النصر ليس بقريب، ولكنه آت ولا مفر منه. ودليلنا على عظمة هذا الكلام واهميته ايضا ما حدث للحزب يوم كان سعاده موجودا وزعيما له:
1 ـ العمل الشاق والمتعب في مرحلة التأسيس الاولى وخاصة عملية انقلاب بعض الذين اعلنوا امامه عن ايمانهم ومن ثم خروجهم عن مبادئ النهضة وعودتهم الى احضان المدرسة السياسية الرجعية ومن ثم ارتباطهم بالمشاريع السياسية الشخصية والفردية التي لا تخدم مصلحة الامة.
2 ـ التحولات التي جرت في الحزب اثناء فترة غيابه القسري حيث انحرفت قيادة الحزب حين حوّلت هذا الحزب من معناه الحقيقي الذي هو فكرة وحركة تتناولان حياة الامة بأسرها الى حزب سياسي بالمعنى العادي، يتعاطى العمل السياسي في الكيان اللبناني ويتبارز فيه اصحاب النزعة الفردية ،حيث كل واحد منهم يريد ان يعمم مفاهيمه الخاصة وافكاره الغريبة عن فكر النهضة السورية القومية الاجتماعية التي وصفها الزعيم «انحرافات عن العقيدة لم تقتصر على الناحية السياسية من الحركة بل تناولت النظرة الفلسفية عينها ـ اي فلسفة الحركة السورية القومية الاجتماعية». اذاً فالعمل الشاق في مرحلة التأسيس والانحراف الكبير في مرحلة الغياب القسري دليلان على اننا في حركة غير عادية تحتاج الى سلوك غير عادي يصونها من عمليات الاختراق الكبيرة.
ونستطيع القول ان واحدة من عمليات الاختراق الكبيرة هي انشقاق الحزب الى حزبين او اكثر.
تجدر الاشارة هناالى ان المعنى الحقيقي للانشقاق الحزبي لا يكون فقط بوجود تنظيمين بل قد يكون الحزب منشقا في التنظيم الواحد عندما يكون حلبة صراع لفئات متعادلة في القوة، فلا تنتصر واحدة على الاخرى، وهنا يصبح الانشقاق التنظيمي افضل بكثير، لأن تعادل القوى داخل التنظيم الواحد قد يؤدي الى عملية جمود وموت بطيء.
يقول سعادة: «اما الصعوبات الخارجية فتهون متى تغلبنا على الصعوبات الداخلية وتمركزت ارادة امتنا في نظامنا الذي يضمن وحدتها ويمنع عوامل القسمة المتفشية خارج الحزب من التسرب الى وحدتنا المتينة التي نضحي في سبيلها بكل ما تطلبه منا التضحية»!.
يتضح من هذا النص انه مطلوب منا العمل الاساسي الذي هو محاربة عوامل القسمة، والتضحية بكل ما تطلبه منا الوحدة لأن وحدتنا هي الضامن الحقيقي لوحدة الامة، فكيف السبيل الى ذلك؟
الوحدة في نظر سعادة ليست بالنظام بل في القوة التي تحرك هذا النظام، لأنه وفي زمن الزعيم لم يكن ادراك هذه القوة كافيا عند القوميين الاجتماعيين ،لذلكحصلت الازمة الاولى والازمة الثانية ثم استمرت بعد عودة الزعيم في مجموعة من الازمات التي ادت بعد ذلك الى عملية انشقاق في الحزب، فبعد استشهاد الزعيم بفترة قصيرة انقسم الحزب وما زال حتى الآن!.. لأننا لم ننظر بعين الاعتبار الى القوة التي تحرك النظام واكتفينا فقط بالحديث عن النظام، مع العلم ان التركيز على القوة التي تحرك النظام تجعلنا نفهم اكثر نظامنا القومي الاجتماعي.
قال سعادة: «نشأت في دوائر الحركة العليا في غياب الزعيم انحرافات عن العقيدة لم تقتصر على الناحية السياسية من الحركة، بل تناولت النظرة الفلسفية عينها اي فلسفة الحركة الاجتماعية وإن من اهم اعمال الاذاعة والثقافة ضبط التوجيه الفكري والتعليم العقدي، وإبراز العقيدة القومية الاجتماعية للرفقاء نقية صافية، ليفهموها بوضوح اكثر ويصيروا قادرين على التمييز بينها وبين الافكار والمعتقدات الاخرى التي لهم بها احتكاك».
يفيدنا هذا النص ان مواجهة الانحرافات السياسية والعقائدية تكون بضبط التوجيه الفكري والتعليم العقيدي وإبراز العقيدة القومية الاجتماعية نقية صافية.
وهذا لا يحصل بالتدوين في السجلات والمحاضر الرسمية ولا في التنظير من وراء المكاتب وفي الفرق الملوكية، بل بما فعله المعلم:
ـ سلسلة محاضرات يحضرها كل مفكري الحزب ومسؤوليه وبعض مثقفي الامة ثم تطبع فيما بعد في كتاب يسمى المحاضرات العشر
ـ ندوة ثقافية على عاتقها تدريس المبادئ القومية الاجتماعية
ـ جولات حزبية على جميع فروع الحزب في الوطن
ـ هذا ما فعله باعث النهضة ومؤسس الحزب.
فكيف لنا ان نخرج من مشكلات مشابهة في الزمن الحاضر.
بداية علينا ان نعترف بأن الازمة في الحزب هي ازمة ابداع، وجهها الظاهر كثرة الاجتهادات في فكرنا الدستوري، والتي لم تحل حتى يومنا هذا، وهي مشكلة انبثاق السلطة التي نشأت بعد استشهاد الزعيم، ودليلنا على ذلك ما قاله الامين عصام المحايري في مؤتمره الصحافي الذي عقده في الاول من آذار عام 1987
«ان النظام الحالي للحزب السوري القومي الاجتماعي ليس نظامنا القومي الاجتماعي والدستور المعمول به حاليا يقوم على مبادئ مختلطة تتنافى مع المبادئ الدستوررية العقائدية للدستور الدقيق الصارم الذي جعله سعادة منطلقا وتطبيقا لمذهبنا السوري القومي الاجتماعي في الاجتماع والسياسة».
وتابع الامين المحايري قائلا: «ان دستورنا هو الدستور الاساسي والقوانين الدستورية كما وضعها زعيمنا فهذا هو نظامنا نظام الديموقراطية التعبيرية الذي تعاقدنا عليه مع المعلم وان مسؤوليتنا ان نصون التعاقد فنحرر دستورنا من المبادئ التي عطلته وافسدته».
حسنا فعل الامين المحايري عندما اعادنا الى صبحية الثامن من تموز لأنه بذلك حررنا من كل الاجتهادات التي تراكمت واصبحت لو اجتمعت لشكلت مجموعة كبيرة من المجلدات.
ونحن اليوم لن نكتب عن كيفية انبثاق السلطة التي جاءت بعد الزعيم لأنها اصبحت معروفة لدى الجميع من رفقاء ومواطنين، ولا عن دستورنا الحالي لأنه لا يختلف عنها بكثير، لكننا سنحاول الكتابة في الكيفية الحقيقية لانبثاق السلطة الحزبية، التي نتج عن دستور مطابق لمذهبنا السوري القومي الاجتماعي.
يقول الزعيم في المحاضرات العشر: «اني اصرح ان نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس نظاما هتلريا ولا نظاما فاشيا بل هو نظام قومي اجتماعي بحت، لا يقوم على التقليد الذي لا يفيد شيئا بل على الابتكار الذي هو من مزايا شعبنا».
يتضح من هذا الكلام ان لنظام الحزب السوري القومي الاجتماعي خصوصية، يمتاز فيها عن بقية الانظمة الموجودة في العالم، وتقوم هذه الخصوصية على الابتكار الذي هو من مزايا شعبنا ـ ويتابع الزعيم في مكان آخر ليوضح بأن رسالة الحزب هي رسالة سوريا الى العالم العربي حيث يقول:
«سورية القومية هي التي تضع امام العالم اليوم فكرة التعبير عن الارادة العامة بدلا من فكرة تمثيل الارادة العامة التي لم تعد تصلح للأعمال الاساسية لحياة جديدة» ويتابع ايضا ليقول: «اننا نشق في الحية طريقا جديدا نختاره نحن لأنفسنا ونعتمد عليه في تفكيرنا الخاص، وسوف يكون هذا الطريق في جملة الانتاج الذي يأخذه الناس عنا».
يتضح مما ورد انه على من يريد ان يكتب في دستور الحزب السوري القومي الاجتماعي عليه ان يضع امام عينيه انه يكتب في دستور هو دستور ونظام معظم الدول في السنوات القادمة، عندها فقط نخرج من الصغائر ويصبح النقاش والحوار حوار رجال دولة يتحاورون ويختلفون في امور كثيرة لكنهم يستمرون في نفس الموقع والمكان ويدافعون عن خصوصياتهم التي تميزهم عن الآخرين، لأن ما جمعهم ليس النظام فقط، بل الايمان الكبير بالقوة التي تحرك النظام.
اذ جاء في مقدمة الدستور «تأسس الحزب السوري القومي الاجتماعي بموجب تعاقد بين الشارع صاحب الدعوة الى القومية السورية الاجتماعية وبين المقبلين على الدعوة» وفي المادة الرابعة: «ان زعيم الحزب هو قائد قواته الاعلى ومصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية».
اذا كان الزعيم هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية وبقبول الطرف الثاني في عملية التعاقد، فحكما بعد غيابه يصبح مصدر السلطات الطرف الثاني اي القوميين الاجتماعيين، وهذا ما يتفق عليه جميع الذين كتبوا في دستور الحزب، ولكن ما لم يتم الاتفاق عليه، هو كيف يكون القوميون الاجتماعيون الذين هم مصدر السلطة.
ان نظام الحزب مركزي تسلسلي حسب الرتب والوظائف التي تنشأ عنها بمراسيم يصدرها الزعيم من المادة الخامسة من الدستور.
لذلك فإن انبثاق السلطة من المديرية حتى رئاسة الحزب يعتمد على الرتب والوظائف، فكانت الرتبة اولا لأنها هي التي تؤهل حاملها لتحمل المسؤوليات في الهرم الحزبي.
فالوظائف هي المسؤوليات التي تبدأ بمسؤولية العضوية وتنتهي بمسؤولية الرئاسة وما بينهما من مسؤوليات. اما الرتب فتبدأ برتبة رفيق وتنتهي برتبة الامين، دون ان يكون بينهما اية رتبة، بل فراغ ساهم في حصول ازماتنا الحزبية التي كانت توصلنا دائما الى الانقسام، فهل فعلا اراد الزعيم لنظامنا القومي الاجتماعي هاتين الرتبتين، مع كل هذه المسؤوليات، ام انه توجد نصوص تسمح لنا بالاجتهاد والاستنباط فيكون لنا رتبا اخرى ويكون لها دورها في نظامنا الحزبي، اني اعتقد ان نظامنا يتضمن رتبا اخرى للأسباب التالية:
1 ـ شروط الرتبة الاولى «الرفيق» تتعلق:
أ ـ بسلوكية المواطن الاجتماعية
ب ـ ان يدين بالقومية السورية الاجتماعية ويعتنق مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي.
2 ـ شروط الرتبة الثانية «الامانة» تعتمد على الفهم الصحيح للعقيدة والايمان بمنشئها الزعيم والنضال نضالا ممتازا بالفكر والعقل والمجاهرة بمبادئها وان يقوم بأعمال غير اعتيادية في سبيل العقيدة والنظام.
3 ـ جاء في مرسوم رتبة الامانة: «تنشأ في الحزب السوري القومي الاجتماعي رتبة عليا تسمى رتبة الامانة.
يتضح من تعبير رتبة عليا انه يوجد امكانية لرتب اخرى قد تكون اعلى او اصغر. ومن شروط رتبة الامانة انه يوجد من يقوم بأعمال غير اعتيادية في سبيل العقيدة والنظام ولكنه لا يستطيع ان يناضل نضالا ممتازا بالفكر والفعل والعكس صحيح، اي انه يوجد من يتمتع ببعض شروط رتبة الامانة واكثر من شروط رتبة الرفيق.
اعتمد الاجتهاد الاول على رسالة الزعيم الى الامين عساف ابو مراد واعتبر ان مهمة رتبة الامانة هي السماح لحاملها بتحمل مسؤولية عضوية المجلس الاعلى واعطى اصحابها مهمة انتخاب اعضاء المجلس الاعلى اما رتبة الرفيق فاقتصرت مهمتها على تأهيل صاحبها لتحمل مسؤوليته العضوية. فهل اقتصرت المسؤوليات في حزبنا على العضوية والمجلس الاعلى ورئاسة الحزب.
ولماذا فشلت كل المحاولات لإنشاء لجان المديريات ومجالس المنفذيات وهل يصح في حزبنا ان يكون العميد عضوا في المكتب السياسي ولا يحمل رتبة الامانة والحزب يعج بالامناء.
طبعا لا يمكن ان يتحمل جميع الامناء مسؤوليات مركزية ولكن من المنطقي ان يكون المسؤول المركزي امينا، لأنه يتمتع بالفهم العالي للعقيدة كما انه قام بأعمال غير اعتيادية في سبيل النظام والعقيدة.
ولأننا عدنا الى دستور الزعيم الاساسي واعتمدنا الاجتهاد الدستوري الذي جاء بالسلطة الحزبية الاولى بعد استشهاد الزعيم ولأن هذا الاجتهاد الناقص اوصلنا الى ما نحن عليه الآن، لأنه تجاهل هذا الفراغ الكبير بين الرتب، ولأننا ننتقل بطريقة لا منطقية من رتبة الرفيق الى رتبة الامين، وللمبررات التي ذكرت سابقا اقدم اقتراحا الى السلطات المختصة بالتالي:
1 ـ إنشاء رتبة يكون لها شروطها وتؤهل صاحبها لتحمل مسؤولية عضوية لجنة المديرية التي تنتخب من الرفقاء وايضا لتحمل مسؤولية المدير.
2 ـ انشاء رتبة ثانية بشروط مختلفة عن شروط الرتبة الاولى تؤهل حاملها لتحمل مسؤولية عضوية مجلس المنفذية والمنفذ العام ولا يكون اصحابها الا من حملة الرتبة الاولى.
3 ـ لا تمنح رتبة الامانة الا لمن حصل على الرتبتين السابقتين.
سامي سماحة
في 14كانون اول 1998
نسخ الرابط :