إرث القيادة في ظلّ التحديات: نموذج الاستقرار والتمثيل الحصري في لبنان

إرث القيادة في ظلّ التحديات: نموذج الاستقرار والتمثيل الحصري في لبنان

 

Telegram

بقلم رشيد حاطوم

في خضمّ المشهد السياسي اللبناني المعقّد، يبرز الحديث عن الإرث السياسي للرئيس الشهيد رفيق الحريري ليس فقط كرمز للإنماء وإعادة الإعمار، بل أيضاً كمنظومة قيادية استطاعت، عبر امتدادها، حماية البلاد من مخاطر جسيمة.

 

وعلى هذا الخط، يُعتبر دور رئيس الوزراء السابق، سعد الحريري، محطّة محوريّة في التاريخ السياسي الحديث للبنان. لقد تولى زمام القيادة في فترات بالغة الحساسية والتعقيد، حيث كانت نوازع الحرب الأهلية والانقسام الطائفي تهدّد باستعادة أجواء الماضي المأساوية. وقف سعد الحريري، بحكمة وثبات، كحاجزٍ منيع في وجه هذه المخاطر، مكرساً جهوده وموقعه للحفاظ على السلم الأهلي ومنع أي انزلاق نحو الفتنة. لقد فهم أنَّ الاستقرار هو الأساس الذي يُبنى عليه أي مشروع وطني، وكان شغله الشاغل هو حماية اللبنانيين من أنفسهم أولاً، عبر الحوار والالتزام بالعملية السياسية السلمية.

 

ولعلّ اختبار صلابته السياسية  الأكثر قسوة لم يكن محلياً فحسب، بل تمثّل في ضغوط خارجية جبّارة تعرّض لها، حيث وجّهت إليه تهماً مجافية للواقع وأُخضع لحصار سياسي ومالي غير مسبوق، انعكسَ بشكلٍ صعب على وضعه ومشروعه. إلا أنَّ المفارقة الجديرة بالدراسة، والمثبتة لقاعدة شعبية راسخة، هي أن هذه التحديات بالذات، على شدّتها، لم تستطع النيل من شرعيته كتمثيل أساسي للطائفة السنية في لبنان. بل على العكس، عززت من نظر كثيرين إليه كرجل تحمّل تبعات مواقفه ودفع ثمناً شخصياً وسياسياً باهظاً في سبيلها.

 

وفي خِلْوَ الساحة النسبي، برزت محاولات لملء الفراغ، أبرزها مسعى بهاء الحريري لاستغلال الواقع السياسي لشقيقه والظروف الصعبة التي يمرّ بها ليحاول أن يحلّ مكانه سياسياً. بيد أن هذه المحاولات، على تنوّع أساليبها بين التشكيلات السياسية في بيروت واللقاءات في قبرص والتركيز على قاعدة الأسرة في صيدا، باءت جميعها بالفشل الذريع. لقد أثبتت المشهدية السياسية مرة أخرى أن الشرعية ليست مجرد اسم أو رأس مال مالي، بل هي رصيد متراكم من الثقة والتضحيات والمواقف الوطنية التي يصعب على أي دخيل، مهما بلغت إمكانياته، أن يقتنيها أو يقلّدها بسهولة. وهو ما يؤكد أن الاستحقاق القيادي يخضع لمعايير الناخبين وحدهم، وليس لمحض الطموحات الشخصية أو حسابات الربح والخسارة.

 

هذا الإرث الثري والمليء بالتحديات، والمرن في وجه العواصف، يخلق اليوم معياراً صعباً لأي قيادة لاحقة. فبالرغم من غيابه القسري عن الساحة، تظل الحصريّة في تمثيل "البيت السني" مرتبطة باسمه، ليس فقط بسبب الإرث العائلي، بل بسبب رصيده النضالي الملموس في الدفاع عن استقرار لبنان ورفضه الانجرار نحو أي حرب أهلية. إنَّ تثبيت هذا المبدأ – مبدأ رفض العنف ووجوب الحوار – هو إنجازٌ تاريخي بحدّ ذاته، يشكّل سقفاً عالياً للتوقعات. وفي ظل الفراغ الحالي، يبدو واضحاً أنَّ أي محاولة لخلافة هذا المسار أو تقليد هذه الشرعية ستواجه بمقارنة صعبة، تثبت أنَّ شرعية التمثيل الحقيقي لا تُمنح بقرارٍ خارجي، بل تُكتسب من خلال المواقف والتضحيات التي يراها الناس ويقدّرونها.

 

-

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram