الكلام على صفقات و«سمسرات» في التعليم المهني الرسمي والخاص يكاد يكون الحديث اليومي منذ سنوات، في أروقة المعاهد والمدارس المهنية، مع صعوبة في إبراز مستندات ووثائق تفضح المخالفات القانونية، في مديرية لها القدرة على إصدار فتاوى قانونية في أيّ ملف تربوي أو إداري.
لكن هذه المرة، وثّق رئيس دائرة برامج التدريب المهني، هارون فرحات، المخالفات في كتاب وجّهه إلى وزير التربية عباس الحلبي (سُجّل في المديرية الإدارية المشتركة تحت الرقم 2238/2023 بتاريخ 26 نيسان 2023، وفي قلم التفتيش المركزي تحت الرقم 335 بتاريخ 9 أيار 2023)، إلا أنه وُضِع، على ما يبدو حتى الآن، في الدرج ولم تطلق أيّ من المؤسستين تحقيقاً في شأنه، علماً أنه مُرفق بجداول من مصلحة المراقبة والامتحانات ومصلحة المحاسبة والتدقيق. يعدّد كتاب فرحات المخالفات في مديرية التعليم المهني من قرارات إقامة دورات تدريب من دون حسيب أو رقيب في بعض المعاهد المحسوبة على المديرة العامة هنادي بري، بالاتفاق مع المنظمات الدولية، إلى التعميم الرقم 2023/15 تاريخ 2023/3/27 المتضمّن حصر توقيع إفادات التدريب للمعاهد والمدارس الفنية الرسمية والخاصة فقط بالمديرة العامة واستبعاد مصلحة التأهيل المهني، وقرارات مناهج التدريب من دون حسيب أو رقيب أو لجان متخصصة من أجل كسب التعويضات المالية، وقرارات بتلزيم عائلي وعقود مخالفة للقوانين في الإدارة العامة للاستفادة من تعويضات المنظمات الدولية، وصولاً إلى موازنة المديرية العامة، إضافة إلى نموذج عن نتيجة مشكوك في أمرها لشهادة البكالوريا الفنية باختصاص المحاسبة والمعلوماتية.
انطلاقاً من «مقتضيات المصلحة العامة»، وهي العبارة التي يبرّر فيها الوزير والمديرة العامة كلّ القرارات غير القانونية، يطلّ فرحات على واقع الانحطاط في التعليم المهني والمخالفات المالية والتربوية والصفقات المحمية بتوقيعهما.
يجدر التذكير بأن بري، المكلفة بمهام المديرية العامة، متعاقدة في الأساس مع مشروع مشترك وليس مع معهد مهني رسمي (المشروع المشترك هو معهد مهني تموّله الدولة، وتديره لجنة تنفيذية مؤلفة من ممثلين عن مديرية التعليم المهني وعن مؤسسة خاصة. وتعتمد، للتعاقد مع الأشخاص الذين يتقاضون تعويضاتهم، الشروط والأصول المحددة للمتعاقدين مع الإدارات العامة). من هنا، فهي تختبئ وراء توقيع الوزير على القرارات والمذكرات المخالفة للقوانين والأنظمة النافذة، وهذا ما سيكشفه التحقيق إذا حصل.
عشية الامتحانات الرسمية المهنية، يضع فرحات أمام الرأي العام المعطيات الموثقة. فالتعميم الرقم 2023/15 بتاريخ 2023/3/27 يتضمن في فقرته الأولى إلغاءً معنوياً وفعلياً لمصلحة التأهيل المهني المنشأة بموجب قوانين ومراسيم جمهورية، إذ تطلب المديرة العامة حصر التوقيع فقط بشخصها، من دون تدقيق في جداول الطلاب الذين تدربوا، «كي تستطيع أن تتفاوض مع أصحاب إفادات التدريب، بالتنسيق مع رئيس مصلحة المراقبة والامتحانات، جوزيف يونس الذي سيتمكّن من السيطرة على إفادات التدريب الخاصة كما يفعل بالإفادات المدرسية أيضاً حيث يقايض علناً مقابل توقيعها، وإذا لم يفهم المواطن أن هناك مقايضة تبقى الإفادات شهراً أو أكثر من دون توقيع»، كما جاء في الكتاب.
وعندما اعترض فرحات على التعميم، أصدرت بري مذكرتين عشوائيّتين، ونقلته من مركز عمله إلى مركز ليس له مهام فيه، وقد فوجئ بخلع باب مكتبه، علماً أنه لم يتبلّغ المذكرتين رسمياً حتى الآن.
في إطار آخر، يذكر الكتاب أنه «عندما يحضر التفتيش التربوي لا يُسمح له بدخول مكتب المديرة العامة، أو أن يتعاطى مع أي موظف من أتباعها، فتقتصر جولته على الموظفين غير المحميين، ويلاحق الدوام والتوقيت ويبتعد عن الحسابات والجداول والافتراءات، وهذا مثبت بكتب رسمية، إذ إن حالة التعليم المهني عُرضت أمام التفتيش التربوي مئات المرات منذ أربع سنوات ولم تتغيّر، والظلم يطال الموظفين غير التابعين، وفي كلّ مرة يزور فيها التفتيش التربوي المديرية العامة يُنعش الفاسدين».
يتطرق فرحات إلى مخالفات موثقة، منها قرارات مصلحة المراقبة والامتحانات بالتعاون مع المديرية العامة، إذ تُسلّم بري يونس ختمها الرسمي ليحصل على توقيعها أثناء غيابها، كما تسلّمه لسكرتيرها الذي يستخدمه للمصادقة على إفادات التدريب والشهادات الرسمية التي يصدرها يونس، وعلى إحالات المعاملات التي تخصّ المعاهد والمواطنين من دون اطلاع رؤساء المصالح عليها، وهذا الختم أصلاً مخالف للقانون، على خلفية تمرير المخالفات في المراسيم التي يفاوض يونس عليها وفي لوائح الطلاب وفي توقيع شهادات لبعض المستزلمين.
ومما جاء في كتاب فرحات أيضاً أن الملفات تنام في مكتب يونس بحجج مختلفة؛ منها الإضراب، وجائحة كورونا، وحفظ الملف، بينما يسعى الى التلميح للتفاوض مع أصحاب العلاقة على نسبة معينة. وإيجابية التفاوض تعني بالبدء بالعمل المطلوب منه.
وبحكم وظيفته، يمنع يونس الموظفين من التعاطي بأيّ ملف، لأنه يحفظ إجازات استثمار اختصاصات في بعض المعاهد والمدارس الفنية، ولا يفرج عنها منذ مدة طويلة. في المقابل، تسير معاملات بعض المعاهد بسرعة تفوق البرق، وهذا مخالف للأسس الإدارية، وهناك الكثير من الشكاوى أمام المديرة العامة للإفراج عن قرارات الإجازات ولا من مجيب.
في مجال آخر، تُنشأ مراكز التدريب على المهن في بعض المعاهد والمدارس بموجب تعاميم إدارية لا قيمة لها إدارياً كونها مخالفة للقوانين والأنظمة لأنّ مراكز التدريب في المعاهد الرسمية يجب أن تُقام بقرار من وزير التربية، إضافة الى اللجنة المساعدة التي تشرف على التدريب قبل البدء بالدورات التدريبية.
نسخ الرابط :