التفاهم الجنبلاطي-الأرسلاني: تحولات السلطة والتمثيل الدرزي في لبنان

التفاهم الجنبلاطي-الأرسلاني: تحولات السلطة والتمثيل الدرزي في لبنان

تمهيد: إعادة تشكيل التحالفات الطائفية في زمن الأزمات

 

Telegram


كتب رشيد حاطوم

 

في خضمِّ التحديات الإقليمية والطائفية التي تضرب المنطقة، تشهد الطائفة الدرزية في لبنان تحولًا سياسيًا بارزًا يتمثل في التقارب بين العائلتين التاريخيتين: آل جنبلاط (الحزب التقدمي الاشتراكي) وآل أرسلان (الحزب الديمقراطي اللبناني). هذا التفاهم، الذي يُطرح كضرورة لحفظ التوازنات الطائفية، يأتي في وقتٍ حرجٍ تتهدده أخطار تفكك الأقليات وتصاعد العنف الطائفي. فهل يُشكّل هذا التحالف نقلةً نوعية في المشهد السياسي الدرزي؟ وما هي انعكاساته على التمثيل النيابي والمواقع السياسية للطائفة؟

 

1. الدوافع الخلفية: بين التوريث السياسي والضغوط الإقليمية

أ. تهيئة الأرضية للتوريث السياسي

يقوم وليد جنبلاط وطلال أرسلان بتهيئة الأرضية لـتفاهمات استراتيجية تحفظ مكانة الزعامتين ضمن عملية توريث سياسي مُخطط لها. فقد ترجم هذا الأمر عبر:

· المصالحات الداخلية: زيارات مكثفة إلى مشايخ الطائفة لتعزيز الوحدة الداخلية.
· الدفاع المتبادل: تصدّي أرسلان لهجمات المشايخ على جنبلاط بسبب سياساته وتدخله في شؤون دروز السويداء، مما يعكس تحولاً في التحالفات التقليدية.

مع الإشارة إلى اعتراض كبير من قاعدة أرسلان على دفاعه عن جنبلاط، مما اضطره إلى الخروج بفيديو مسجل لتهدئة الأصوات المرتفعة اعتراضًا.

ب. الضغوط الإقليمية على الأقليات

التداعيات الإقليمية، خاصة في سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، ضربت كل الأقليات في المنطقة، مما دفع الزعامات الدرزية إلى تعزيز التماسك الداخلي كوسيلة للبقاء في مواجهة التحديات الوجودية. هذا الوضع يفسر الإسراع في بناء التحالفات الداخلية.

 

2. التفاوض على المناصب: تنازلات وطموحات

أ. التنازلات المتبادلة

يقتضي أي تفاهم سياسي تنازلات من الطرفين. وفقًا لمصدر سياسي، فإن أبرز التنازلات المتوقعة تشمل:

· التخلي عن شيخ العقل سامي أبي المنى (المعين من قبل جنبلاط) كبادرة من "البيك" جنبلاط تجاه أرسلان.

وقد أعطى جنبلاط أول إشارة عن تخليه عن أبي المنى من خلال استبعاده عن استقبال المفتي في دارته بحضور أرسلان مراعاةً له.

· المقعد النيابي الدرزي في بيروت الذي يشغله النائب فيصل الصايغ، حيث يطمح الوزير السابق صالح الغريب (المقرب من أرسلان) إلى الحصول على هذا المقعد، مستندًا إلى انتقادات بأن الصايغ لم يقدم إنجازات لافتة للطائفة. ويؤكد المصدر أن النائب الصايغ لم يتمكن من خلق ثغرة في جدار التباعد بين قريبه المرجع الروحي الشيخ أمين الصايغ وجنبلاط.

بالإضافة إلى الاتفاق بين الأمير والبيك على تشكيل لجنة مؤلفة من الوزير الغريب والنائب أكرم شهيب لمتابعة المشاكل العالقة بين الحزبين والعمل على حلّها.

هنا يشير المصدر إلى أن البيك سيعيد ترشيح النائب أكرم شهيب عن مقعد عاليه لضرورات المرحلة بعد أن تم التداول باستبعاده هذه الدورة بناءً على رغبة جنبلاط الابن.

أيضًا يجري التداول بجدية كبيرة بإعادة ترشيح النائب السابق أيمن شقير مكان هادي أبو الحسن، لا سيما بعد تراجع الاشتراكي على صعيد البلديات، إضافة إلى أن أبا الحسن لم يترك بصمة على صعيد التشريع، ولولا استثماره لمستشفى الجبل بحيث يربط مساعدة المرضى به شخصيًا عبر الطلب من قبل إدارة المستشفى لأهل المريض للاتصال مباشرة بالنائب أبي الحسن.

أما الوزير الغريب فقد تلقى الكثير من الانتقادات لدى مناصري أرسلان بسبب خسارته في بلديات الغرب،رغم انفاقه مبالغ كبيرة من المال, مع الإشارة إلى ترشيحه اشتراكيًا لبلدته كفرمتى. وقد سُجّلت عليه مآخذ جمّة نتيجة تحالفاته مع القوات اللبنانية بوجه المنافس لرئاسة البلدية، وحصوله على رقم يوازي أرقام مرشح الغريب في الطائفة الدرزية، حتى ذهب البعض إلى القول بتحالفه مع القوات لإيصال اشتراكي لرئاسة البلدية.

 

3. الهيئة الدينية: استراتيجية الحفاظ على الاستقلالية

القيادة والمرجعية

تتركز الهيئة الدينية حول شخصية الشيخ أمين الصايغ، الذي يمثل:

· المرجعية الأخلاقية: رمز للاستقلالية والثبات في مواجهة التدخلات السياسية.
· الشرعية الدينية: يتمتع باعتراف واسع بين المشايخ كأعلى سلطة دينية.

القلق السياسي واستغلال الموقف

أثار هذا التصادم قلقًا واضحًا لدى جنبلاط، الذي يدرك أن:

· فقدان الشرعية الدينية قد يُترجم إلى خسارة جزء من قاعدته الشعبية المحافظة.
·اما  القوى السياسية المنافسة تحاول استغلال هذا الخلاف لتعزيز موقعها، من خلال تقديم نفسها كمدافع عن الهوية الدينية للطائفة ضد "تجاوزات" الجنبلاطي.

المطالب والمواقف

رغم هذا التصادم، تتبنى الهيئة موقفًا واضحًا:

· رفض تدخل السياسة في الدين: الإصرار على أن يكون اختيار شيخ العقل قرارًا دينيًا خالصًا.
· الدعوة للوحدة: الحفاظ على تماسك الطائفة فوق الانقسامات السياسية، وإن كان ذلك يصبح أكثر صعوبة في ظل الاستقطاب الحاد.
· الحياد النسبي: محاولة عدم الانحياز الكامل لأي فريق سياسي، رغم الضغوط المتزايدة.

التأثير على المعادلة

على الرغم من عدم امتلاكها القوة التنفيذية، فإن للهيئة الدينية تأثيرًا معنويًا كبيرًا:

· سلطة التشريع: قدرتها على تحشيد الرأي العام الديني ضد أو مع قرار ما.
· ورقة ضغط: يمكن لأي فريق أن يستخدم دعمها لتعزيز شرعيته، خاصة في المعارك الانتخابية التي تعتمد على الأصوات المحافظة.

بين ضرورة التوحيد وتحديات التغيير

التفاهم بين جنبلاط وأرسلان يمثل محاولة لإعادة توحيد الصف الدرزي في وجه العاصفة الإقليمية والداخلية. لكن نجاح هذا التفاهم مرهون بقدرة الزعامات على تجاوز النهج التقليدي القائم على المحاصصة والمناصب، والانتقال إلى خطاب سياسي يجيب على حاجات الناس الاقتصادية والأمنية. إذا فشلوا في ذلك، فقد تكون التغييرات القادمة أكثر جذرية، وقد تشهد الطائفة انزياحًا في موازين القوى لصالح وجوه جديدة تخرج من رحم المعاناة اليومية لأبناء الطائفة.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram