يعقد قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا جلسة استماع الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، صباح اليوم، في مكاتب مجلس شورى الدولة في قصر العدل، بسبب صغر مكتبه، في حضور القاضية الفرنسية أود بوروزي، فيما تعذّر حضور أيّ قاضٍ لتمثيل الوفد الألماني، ولم تطلب الدولة البلجيكية التي تمثّل لوكسمبورغ حضور الجلسة.
السؤال الأساس: هل يحضر سلامة الجلسة؟ فقد علمت «الأخبار» أن الوكيل القانوني للحاكم تقدّم بطلب الى أبو سمرا لإرجاء المساعدة القضائية أو رفضها بسبب تعارضها مع تحقيقات قضائية جارية في لبنان الى حين اتّضاح مسار هذا التحقيق محلياً، وهو ما أتت على ذكره اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. وفي حال قرر سلامة عدم الحضور، فإن هذا القرار لا يرتّب عليه أيّ تداعيات، بحسب المصادر، لأنه ليس موقوفاً أو مدّعى عليه. غير أن مصادر قضائية أكدت أن التحقيق اللبناني لا يتعارض أو يتداخل مع التحقيق الأوروبي، وبالتالي طلب سلامة متعذّر، رغم إشارة هذه المصادر الى عدم قدرة القضاة الأوروبيين على اتّخاذ أيّ إجراء ضدّ الحاكم إذا رفض الحضور، باستثناء التدوين في المحضر أنه لم يحضر من دون معرفة ما ستكون عليه ردّة الفعل الأوروبية، وخصوصاً الفرنسية في هذه الحالة. إذ إن القاضية الفرنسية تأتي بهدف واحد هو استجواب سلامة عبر أبو سمرا تمهيداً للادّعاء عليه في بلدها على ما ينصّ عليه القانون الفرنسي، وليس الحصول على إجابات حول ملف تبييض الأموال المتورط فيه سلامة وشقيقه رجا ومعاونته ماريان الحويك.
عملياً، يبدو أن الهدف من الاستماع الفرنسي للحاكم ليس سوى تأمين الموجبات القانونية للادّعاء عليه، وهو ما دفع الفرنسيين، غداة تلقّيهم خبر تحديد أبو سمرا تاريخ 15 آذار موعداً لاستجوابه على خلفية الملف المحال إليه من النائب العام الاستئنافي القاضي رجا حاموش، الى إرسال كتاب بواسطة الخارجية الى وزارة العدل في 27 شباط الماضي لإعلام الدولة اللبنانية بحضور بوروزي الى بيروت بين 13 و18 آذار ورغبتها باستجواب سلامة على ما تقول مصادر مطّلعة. هذا الأمر أدّى الى تأجيل أبو سمرا جلسة الاستماع لسلامة نحو أسبوع ليتسنّى للفرنسيين استجوابه.
لكنّ النقطة الأهم في المراسلة الفرنسية تكمن في تأكيد الفرنسيين توجّههم لإسناد جرائم تبييض أموال الى سلامة، أي الاستماع إليه كمدّعى عليه لا كشاهد. وعليه، تشير مصادر قضائية الى أن رغبة بوروزي وإصرارها على لقاء سلامة فقط لتلاوة الجملة التالية عليه: «أسند إليك أنك أقدمت بتاريخ لم يمرّ عليه الزمن على جرم تبييض الأموال على الأراضي الفرنسية»، لتعود الى بلدها وتعمل على رفع دعوى ضدّه وتحريك الحق العام. الأمر نفسه تريده لوكسمبورغ بسبب عدم قدرة أيّ قاضٍ بلجيكي على محاكمة سلامة غيابياً. وتقول مصادر فرنسية إنّ من المحتمل أن تسجّل بوروزي مفاجأة اليوم بالادّعاء مباشرة على سلامة، أو انتظار جلسة محكمة الاستئناف في باريس المتعلقة بملفّه بتاريخ 4 نيسان حتى تصدر قرارها. أما طلبا استجواب رجا سلامة وماريان الحويك، فلم يحدد أبو سمرا موعدهما بعد بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في ما يخصّ حاكم المصرف المركزي اليوم.
تصرّ القاضية الفرنسية على الاستماع إلى سلامة كإجراء قانوني يسبق الادّعاء المؤكّد عليه
في موازاة ذلك، تسجّل مصادر قضائية عدة ملاحظات على «عودة حقبة الانتداب إن بالطريقة التي قام بها الألمان سابقاً باقتحام قصر العدل ومحاولة حصولهم على مستندات من ملفّ التحقيق بالقوة، وحتى من دون تقديم طلب، أو ما يحصل اليوم من تعدٍّ فرنسي على السيادة اللبنانية وعدم احترام معاهدة مكافحة الفساد التي تحدّد في البند 18 من المادة 46 أصول المساعدة القانونية المتبادلة بين الدول، ومن بينها الاستماع الى الشخص المحدّد كشاهد أو خبير أمام السلطات القضائية للدولة الأخرى، وبما يتناسب مع المبادئ الأساسية للقانون الداخلي. بينما يتحدث البند 25 من المادة نفسها عن حق الدولة الطرف متلقّية الطلب بإرجاء المساعدة القانونية المتبادلة بسبب تعارضها مع تحقيقات أو ملاحقات أو إجراءات قضائية جارية». وهو ما استند إليه سلامة في الطلب المقدّم عبر وكيله لإلغاء الجلسة. وتشير المصادر الى أن تداعيات تشريع الدولة اللبنانية الأبواب أمام القضاة الأوروبيين للعبث بالتحقيق قبيل الانتهاء منه محلياً، لن تقف عند ملف سلامة، بل ستكون فاتحة تدخلات خارجية في ملفات أخرى، علماً أنه كان الأجدى بالفرنسيين والألمان والبلجيك والسويسريين، بحسب المصادر، البدء باستجواب المصارف المتورطة مع سلامة وشقيقه والتي كانت شريكة في عملية التبييض، مشيرة إلى أنه لدى إثارة هذا الموضوع خلال زيارة الوفد الأوروبي الأولى، «قامت قيامة القضاة الذين هبّوا للدفاع عن القطاع المصرفي الخاص ببلدهم ورمي كل الاتهامات على سلامة وحده والمصارف اللبنانية».
ميقاتي وموناكو
وبعيداً عن سلامة، يحضر ملف تبييض أموال آخر بطله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بالاشتراك والتعاون مع سلامة. فقد نقلت صحيفة The national news عن المدعي العام لإمارة موناكو تأكيده متابعة التحقيقات في ملف ميقاتي بجرم تبييض الأموال. وبات التحقيق بعهدة الشرطة القضائية، علماً أن هذا الملف الذي فتحته القاضية غادة عون عام 2019 للمرة الأولى يتعلق باستفادة شركات مملوكة من آل ميقاتي من قروض سكنية مدعومة من بنك «عوده»، وقد حوّله المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات الى القاضي أبو سمرا قبل أن يقفله الأخير منذ عام، بعد طلب موناكو المساعدة القضائية من بيروت بنحو شهرين. رغم ذلك، تتابع إمارة موناكو تحقيقها في إقدام ميقاتي وأفراد من عائلته على القيام بعمليات تبييض أموال. وهذا التحقيق بحسب مصادر مطّلعة هو جزء من التحقيقات الفرنسية والبلجيكية والألمانية، حيث ثمّة ارتباط بين هذه القضايا جميعها. فضلاً عن أنّ ميقاتي أيضاً هو جزء من تحقيق قضائي في إمارة ليختنشتاين، إذ طلبت الإمارة في أيلول 2022 مساعدة القضاء اللبناني في دعوى مقامة ضد سلامة، وإفادتها بمعلومات حول اتفاق مزعوم بين مجموعة M1 (أنشئت عام 2007 من قبل نجيب ميقاتي وشقيقه طه) وشركة سلامة السويسرية SI 2 SA وحول تحويلات مالية بين الشركتين حصلت عام 2016 ووصلت قيمتها إلى 14 مليون دولار. وتشير مصادر فرنسية الى أن جمعية «تجمّع ضحايا الممارسات الاحتيالية والجنائية في لبنان» ورئيسها المحامي عزيز سليمان التي ادّعت على سلامة وميقاتي وشركائهما وفتحت القضية في مختلف الدول الأوروبية، تعمل بتكتّم لمحاسبة كل المتورطين مع الحاكم. وبحسب المعلومات، فإن الجمعية توصلت الى فتوى قانونية تمكّنها من ملاحقة كبار السياسيين اللبنانيين المتورطين مع الحاكم كما المؤسسات الدينية.
نسخ الرابط :