أمين أبوراشد
مع إقرار إدارة الخدمات العامة في البيت الأبيض بفوز جو بايدن والإيعاز الى كافة الإدارات السياسية والمالية والعسكرية والإستخباراتية وجوب البدء بإجراءات المرحلة الإنتقالية، رغم رعونة ترامب، أطلَّ الرئيس المُنتخب من مقرِّه المؤقت في ولاية ديلاوير، وأعلن ما يُعتبر خطوطاً عريضة لولايته، لأن شعار “أميركا أولاً” الذي اعتمده سلفه ترامب، جعل أميركا وحيدة، مُعلناً أن السياسة الخارجية في عهده ستنأى بأميركا عن “الفكر العتيق والأساليب القديمة”، وعن الحروب والنزاعات غير المُجدية، إضافة الى ترميم العلاقات الدولية والعودة الى بعض المعاهدات والإتفاقيات ، اما الاتفاق النووي فلن تقبل طهران احياءه وفق شروط بل وفق مصالحها التي حاربها ترامب بأقسى وأقصى العقوبات من خلال الحصار الجائر.
إرث ترامب، قد يكون أثقل تركة يواجهها رئيس منتخب في تاريخ أميركا المُعاصر، وإذا كان الوضع الداخلي قد أرهق الأميركيين خلال ولاية ترامب، فإن مركز أميركا على المستوى الخارجي قد أحسن بايدن توصيفه حين أعلن أن أميركا باتت وحيدة.
على المستوى الداخلي، عجزٌ في مواجهة جائحة كورونا، وارتفاع غير مسبوق في نسبة البطالة، وتباطوء كبير في النمو نتيجة الركود الإقتصادي العالمي، إضافة الى مشاكل التمييز العنصري، وصولاً الى نظام إنتخابي مُترهِّل يستوجب إعادة درس وتمحيص وتعديل، نتيجة فرادة تعقيداته المرتبطة بقوانين كل ولاية ودور المجمع الإنتخابي ومحاكم الولايات والمحكمة الفيدرالية العليا، لكن أبرز المشكلات الداخلية يبقى في نظام التأمين الصحي الذي يحمل إسم “أوباما كير”، الذي قوَّضه ترامب دون أن يقدِّم بديلاً عنه، ولعل تغييب الحماية الإجتماعية التي كانت مؤمنة خلال ولايتيّ أوباما، كان السبب الأكبر في إنكفاء الناخبين الجمهوريين عن المشاركة والإقتراع لصالح ترامب.
على المستوى الخارجي، يجد بايدن نفسه فاقداً لصفة “رئيس أقوى دولة في العالم”، لأن ترامب بنى العلاقات الدولية بعقلية “الكاوبوي” المُتسلِّط والعدواني، ولم يكتفِ بضرب العلاقات مع الصين، ولا بخلط الأوراق لصالحه مع أوروبا، لكنه أعاد التفاهمات مع كوبا الى نقطة الصفر واللاعودة، ونسَف كل التفاهمات المبدئية مع كوريا الشمالية، وترك في الشرق الأوسط مجموعة أدوات لتنفيذ سياساته العدوانية، يبدو أنها تهاوت أو تكاد تتهاوى نتيجة تورُّطها في التطبيع مع الكيان الصهيوني في آخر موسم ترامب، وبايدن ليس بوارد استخدام “عدَّة شُغل سواه” ولديه توجُّه لنسج علاقات غير مُستفزَّة مع من يعتبرهم ترامب خصوماً أو أعداء.
قد تكون فلسطين دافعة أثمان في عمليات التطبيع التي حصلت، (الإمارات والبحرين والسودان فوق الطاولة، والسعودية لغاية الآن تحت الطاولة)، لكن إيران التي استقبلت خبر فوز بايدن بتحفُّظ مُحِقّ، يبدو أنها هي الأقوى بمواجهة أميركا وأدواتها، لأن إعادة تخصيب اليورانيوم بعد انسحاب ترامب من الإتفاق النووي جعلتها إيران ضمن ضوابط الإستخدام السلمي، وتركت لدول الخمسة زائد واحد تقييم الحكمة التي تتحلى بها القيادة الإيرانية في الحفاظ على مصالحها واحترام ما لم يحترمه ترامب في تطبيق أصول المعاهدات والإتفاقات الدولية، لدرجة، أن لا ثقة بديمومة ما تلتزم به أميركا في عهد رئيس معيَّن إذا كانت شخصية الرئيس الذي يليه لا تحترم المواثيق والأعراف.
الكأس المُرَّة في هزيمة ترامب تجرَّعها بالتساوي محمد بن سلمان وبنيامين نتانياهو، ليس لأن جو بايدن بنظر المراقبين قد يكون أعدل من سلفه في مقاربة الأمور، بل لأن العقلية التجارية التي انتهجها ترامب في سلب أموال الخليج من خلال تصوير إيران وكأنها البعبع الذي يُهدِّد أمن الخليج، لا يستطيع بايدن إنتهاجها، لأن انهيار أسعار النفط يبدو أنه كان كما الشريك لترامب في حلب البقرة السعودية حتى نضبت، ولم يجنِ النظام العائلي السعودي سوى حماية أميركية مؤقتة للعرش، بينما تتوالى هزائمه على أرض اليمن وأطلق صرخة استغاثة الى الأمم المتحدة منذ أيام، محذِّراً بوقاحة من “إعتداءات يمنية” ومُطالباً بمنطقة عازلة في الجنوب لحماية مواطنيه السعوديين في عُقر داره..
نسخ الرابط :