كل اسبوع تبرز اولوية جديدة تبعد التشكيلة الحكومية عن سلّم الاهتمامات، وآخرها ملف التدقيق الجنائي الذي تصدّر إهتمام الداخل، والبحث في قانون انتخابي جديد للجان النيابية المشتركة لبحث اقتراح كتلة «التنمية والتحرير»، الذي ينص على جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة مع اعتماد النظام النسبي، والذي لقي معارضة مسيحية من قبل الحزبين الاكثر فاعلة على الساحة المسيحية، اي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، فيما بادرت بعض الكتل النيابية الى طرح مشاريع وقوانين اخرى في هذا الاطار، وكل هذا يبدو محاولة لإلهاء اللبنانيين عن الفشل الحكومي وتطيير التدقيق الجنائي، لان الوقت الان ليس لبحث قوانين انتخابية، بل لتشكيل حكومة انقاذية لكل لبنان، الذي يرزح تحت الكوارث وعلى جميع المستويات.
الى ذلك وبالتوازي مع كل هذا التراجع، يبرز في الواجهة إشتباك سياسي على خط بعبدا ـ بيت الوسط، اذ يُسجّل فتور أبعد اللقاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، إضافة الى غياب اي وساطة منذ اللقاء الأخير بين الرجلين، ومن دون تبادل رسائل سياسية بين الوسطاء، لان لا تفاهم على التشكيلة بل تمديد لأزمة حكومية حتى امد طويل، فالكل «حردان» من الكل ولا تواصل بل توتر وابتعاد وحتى قطيعة، لان لا احد يتكلم مع الاخر إلا عند الحاجة الضرورية، بحسب ما ينقل مقرّبون من وزير ونائب حزبي، فضح الوضع السائد منذ فترة بين الافرقاء المتناحرين، ما جعل الحكومة في خبر كان، لانها لم تعد اولوية بأيدي المعنيين بها، فكل طرف بينهم يغني على ليلاه، وكأنّ هنالك لعبة مراهقين في السياسة يتخاصمون من اجل مصالحهم الخاصة فقط، متناسين مصلحة الوطن وشعبه في هذه الظروف الخطرة.
في غضون ذلك تشير مصادر سياسية مطلعة الى انّ الفتور لم يعد داخلياً فقط، تجاه الملف الحكومي، بل وصل بقوة الى الجانب الفرنسي المستاء جداً من السياسيين اللبنانيين عموماً، فيما تبدو الازمة الحكومية من اهتمامات الاميركيين الذين يفرضون الشروط المعرقلة، فضلاً عن الجفاء الخليجي تجاه الافرقاء المعنيين بالتأليف، وبصورة خاصة تجاه الرئيس المكلف ، مما يؤكد انّ الحكومة ترقد في مكانها في انتظار حدوث المعجزة، وهي بالتأكيد ستكون خارجية، لان الداخل باق ضمن اطار الخلافات على أسماء الوزراء وحقائبهم وتقاسمهم الحزبي، إضافة الى انّ الرئيس الحريري «فرمل» مهمته، بعد مطالبة الاميركيين ببقاء حزب الله خارج الحكومة، الامر الذي يعني ان لا تشكيلة من دون الحزب المذكور، حتى توقيت زمني مُبهم وغير معروف النتائج، وهذا يعرفه الحريري جيداً، وهو فهم الرسالة الصعبة في انتظار الفرج الصعب المنال، في ظل العقوبات التي اُعلنت والمرجح ان تعلن مثيلاتها في وقت مرتقب، ضد بعض الشخصيات التي ستحدث نقزة سياسية، وستفاجئ الجميع بحسب المصادر المذكورة.
وعلى خط متفائل، اعطت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، بعض الامال بإمكانية خرق الصعوبات، وابدت قلقها للتأخير المستمر في تشكيل حكومة جديدة، قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل، ومواجهة محنة الشعب اللبناني، مشدّدة على ضرورة ان يتفق السياسيون اللبنانيون، وحثت كلاً من حكومة تصريف الاعمال، وأعضاء مجلس النواب على تنفيذ مسؤولياتهم، من خلال اتخاذ كل الخطوات المتاحة، للتخفيف من الضغوط الاقتصادية التي تواجهها البلاد، كما رحّبت المجموعة بإعتزام فرنسا عقد مؤتمر دولي مطلع كانون الاول المقبل، برئاسة مشتركة مع الأمم المتحدة، للمساعدة ودعم الشعب اللبناني، والتشديد على إنهاء الملف الحكومي بأقرب وقت ممكن.
نسخ الرابط :