تعمّدت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو التكرار وبحسم في أن لا يوجد لفرنسا مرشح لرئاسة الجمهورية اللبنانية «كما يشيّع البعض». ولكنها عمدت وللمرة الاولى الى تحديد المواصفات التي تراها في الرئيس اللبناني المقبل، رافضة في الوقت عينه الدخول في لعبة التسميات ولو انها استطردت لتعقّب بشيء من «الحنكة» في أنها تترك للاعلاميين مهمة الاستنتاج. غريو التي اختارت ان تتحدث في مناسبة 14 تموز، كررت مراراً أنّ الانتخابات الرئاسية يجب ان تحصل في مواعيدها الدستورية كما حصلت الانتخابات النيابية وان المجتمع الدولي سيكون يقظاً في هذا الامر، وأنه تم إبلاغ المسؤولين اللبنانيين بذلك. وليس هنالك اي شيء يوحي بأنّ هذه الانتخابات لن تحصل في موعدها الدستوري. فالعالم كله يريد إتمامها في موعدها، بما فيه روسيا والصين والدول العربية، فالبلد لا يحتمل الذهاب الى فراغ رئاسي.
وشددت غريو على أن ليس لفرنسا أي مرشح للرئاسة بخلاف الشائعات الكثيرة التي يجري تناقلها، مؤكدة ان «ليس لدينا معلومات عن أن ايران تدعم هذا الاسم او ذاك للرئاسة».
غريو التي كررت اكثر من مرة «أننا لا نتعاطى في الاسماء»، أوردت المواصفات التي يجب ان تنطبق على الرئيس المقبل «في هذه الانتخابات المختلفة عن سابقاتها».
واعتبرت «ان الرئيس يجب ان يتمتع بالقدرة على معالجة لبنان وانتشاله من أزمته وبالتالي ان تكون لديه القدرة على اعادة بناء مؤسسات الدولة، والقادر على استعادة ثقة المجتمع الدولي بهذا البلد. رئيس بمستوى رجل دولة قادر على إسماع صوت بلاده في اصقاع العالم، خصوصاً من خلال مشاركته في المؤتمرات الدولية. انظروا لم نعد نسمع الآن صوت لبنان في المحافل الدولية».
وتابعت السفيرة الفرنسية رؤيتها لمواصفات الرئيس المقبل في «أن يكون جامعاً في بلد يعاني هَول ازماته، وبالتالي نريد رئيسا قادرا على استعادة ثقة جميع اللبنانيين بمؤسساتهم وبمواكبة الحلول المطلوبة وإنجازها. وعلى هذا الرئيس ان يحمل صوت بلده في المجتمع الدولي الذي تغيّر كثيرا بعد حرب اوكرانيا».
لكن اللافت في ما قالته غريو أنّ الرئيس المقبل سيأتي في سياق جديد «فرئيسنا جاء في سياق جديد ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسن كذلك».
وعندما تشدد غريو على أنه لا يجب ان يكون هنالك اي دور خارجي في الاستحقاق الرئاسي يأتيها السؤال بأنه خلال الانتخابات الرئاسية السابقة كان لفرنسا دور واضح وتُرجم يومها بالاتصال الذي اجراه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند برئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. فتجيب غريو «أن الاوضاع تغيرت والرئيس الفرنسي تغير ايضا والظروف بدورها تغيرت». وتستطرد لتقول «انّ العالم كله تغيّر بعد 24 شباط»، وهو تاريخ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. وكررت القول مرات عدة «أن العالم تغيّر وان على اللبنانيين إدراك ذلك. وبالتالي، فإن لبنان لم يعد من الاولويات على المستوى الدولي».
الملف الثاني الذي تطرقت اليه السفيرة الفرنسية كان حول علاقة فرنسا بـ«حزب الله» وإيران، وذلك رداً على سؤال حول لقاءاتها مع السفير الايراني، فقالت انها وخلال وجودها في لبنان منذ اقل من سنتين، التقت السفير الايراني مرتين بناء على طلبه، وان هذا أمر طبيعي في اطار العلاقات بين الدول، أضف الى ذلك ان هنالك مسائل عدة تخص العلاقة بين فرنسا وايران مثل ملف المفاوضات حول البرنامج النووي الايراني. وعندما سُئلت عما اذا كان صحيحاً انها التقته في حضور ممثل عن «حزب الله»، اجابت غريو بشيء من الحدة التي تعمدت اظهارها قائلة: «هذا لم ولن يحصل ابداً، فنحن نتعاطى وفق مفهوم الدول ووفق منطق المؤسسات، ولا حتى السفير الايراني طلب ذلك لأنه يعرف جوابي مسبقاً».
ولدى سؤالها اذا تم التطرق مع السفير الايراني الى الاوضاع اللبنانية؟ أجابت السفيرة الفرنسية أنها عادة لا تُفصح عن فحوى لقاءاتها الديبلوماسية. اما عن لقاءاتها بـ»حزب الله» فوصفتها في اطار لقاءاتها الدورية مع مختلف القوى والاحزاب في لبنان.
اما النقطة الثالثة التي تطرقت اليها غريو فتتعلق بالترسيم الحدودي البحري ومهمة الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين، وهي أبدت تفاؤلاً حذراً في هذا الاطار، فأشارت الى انها التقت هوكشتاين مرتين بناء لطلبه وهو سأل عما يمكن ان نفعله لتسهيل المفاوضات البحرية. فلفرنسا علاقات صداقة مع كل من لبنان والولايات المتحدة الاميركية.
وتابعت غريو «ان المفاوضات في الاساس عملية صعبة ومعقدة في كل العالم، لكنني استطيع ان اقول اننا في موضوع الترسيم البحري لم نكن يوماً قريبين الى هذا الحد من الاتفاق كما هو حاصل اليوم. اعتقد انّ هنالك فرصة حقيقية».
لكن غريو رفضت تحديد موعد محدد لإنجاز المفاوضات مشيرة الى انه «في المفاوضات لا احد يستطيع تحديد موعد». ونصحت بالاستفادة من الفرصة الموجودة «فالقطار يمر مرة واحدة ولا يجب البقاء خارجه».
وحول عدم تحرّك شركة «توتال» او لَحظها لأي اعمال او حتى البدء بتحضير فريقها التقني طالما انّ الاجواء ايجابية، أجابت غريو: «كيف للشركة ان تتكلف عشرات الملايين من الدولارات فيما المفاوضات لم تنته بعد؟».
وتابعت السفيرة الفرنسية «أن هنالك دينامية تعاون جديدة بين بلادها والولايات المتحدة الاميركية بهدف استقرار المنطقة وخصوصا لبنان. وأنه من هذا المنطلق هنالك تشاور وتعاون في مجالات كثيرة ولا سيما منها الترسيم البحري، وهو الطريق الذي سيؤدي الى الاستقرار في لبنان».
اما الملف الرابع الذي تحدثت غريو عنه فهو يتعلق بالمعالجات المطروحة للانهيار الاقتصادي والمالي والحياتي الذي يعيشه لبنان.
حاولت آن غريو ان تعطي املاً في هذا السياق فقالت انه «ليس مستحيلاً ابداً عودة التعافي الى لبنان، لكن يجب الاستفادة من الفرص الموجودة وانّ باريس ستستمر في دعم لبنان لإعادة تركيز اوضاعه المالية والاقتصادية والحياتية». لكنها اعتبرت أن «على لبنان الالتزام بخطة الاصلاحات الموضوعة لفتح الابواب امام المساعدات».
وانتقدت قيام البعض بنقاش سياسي لا تقني حول خطة صندوق النقد الدولي، فهذا ما يعطي الانطباع بأنّ هذا البعض يعمل كل شيء لكي يمنع حصولها «فلبنان في حاجة لصندوق النقد الدولي لكي يستطيع تأمين الكهرباء واستعادة دورته الاقتصادية وتأمين الرواتب واعادة تمويل الدولة اللبنانية».
واستطردت غريو بـ«نصيحة صداقة» كما وصفتها وقالت: «أخرجوا من الماضي والذهنية التي كانت سائدة، وانا اقولها كصديقة وليس كسفيرة. هذا البلد الذي كان يقصده الجميع من مختلف اصقاع العالم ليتعلموا فيه وليدخلوا مستشفياته وليعيشوا فيه، انظروا إليه كيف اصبح. تستطيعون العودة فهنالك نافذة مفتوحة ويجب عدم إغلاقها بل التعامل معها».
وتدرك غريو انّ الموزاييك اللبناني جعله اكثر تأثراً بمحيطه واكثر بكثير مما هي حال البلدان المتجاورة في العالم. واعتبرت «انّ مجلسا نيابيا جديدا ورئيسا جديدا للجمهورية سيعطيان دفعاً قوياً لتغيير كل شيء. ونحن ساعَدنا الجيش والقوى الامنية، ويجب الاقرار بأن الاستقرار الامني متوافر في لبنان الى حد بعيد».
لكنّ غريو نفت ان تكون هنالك زيارة قريبة لماكرون الى لبنان فالبرامج توضع قبل ثلاثة اشهر على الاقل ولا شيء من هذا القبيل في الوقت الراهن، خصوصاً انه من المفترض حصول ورشة تعيينات واعادة تنظيم الدوائر الرسمية بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفرنسية الاخيرة.
ونفت غريو ايضا وجود توجّّه لتولي فرنسا الدعوة لعقد مؤتمر دولي حول الازمة اللبنانية. ويأتي كلامها معاكساً لما كان طرحه الرئيس الفرنسي خلال زيارته الثانية الى بيروت حول دعوته الى عقد اجتماعي جديد، وكذلك لكلامه قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية باستكمال الجهود الفرنسية في لبنان بعد الانتخابات. وهو ما يمكن تفسيره بالاستدراك بعدم فتح الابواب امام اي تعديلات دستورية واسعة وهو ما يريده بعض الأفرقاء في اطار التسوية السياسية بالتزامن مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. اي إنجاز أثمان سياسية في مقابل استعادة الاستقرار السياسي.
وتختم السفيرة الفرنسية لقاءها الصريح والمفتوح بالقول ان لبنان موجود في وجدان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
وحين يأتي التعليق أن اللبنانيين يأملون ذلك، تعيد غريو جوابها بشيء من الاصرار، وتضيف أنها «ليست آمالاً بل هي حقيقة أن لبنان موجود فعلاً في وجدان ماكرون وتفكيره، لكن عليكم انتم ان تبذلوا جهوداً لأن عودة التعافي الى بلدكم ليست مستحيلة ولديكم الفرصة فاستفيدوا منها».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :