اذا لم تحصل مفاجأة غير محسوبة، فإنّ الخميس المقبل من المفترض أن يشهد إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة لن تبصر النور على أغلب الظن.
القوى السياسية تعمل وفق هذه الحسابات ولو أنها تراقب عن كثب المحاولات الجارية على مستوى القوى التي تصنّف نفسها معارضة او تغييرية للتفاهم على مرشح موحّد في سعيها لإعادة تصحيح السلوك الخاطئ الذي انتهَجته خلال معركة نائب رئيس المجلس النيابي.
حتى الآن لا تبدو هذه المحاولات قابلة للنجاح لأسباب عدة، خصوصاً لناحية افتقادها للغطاء الدولي. ففرنسا التي أسدلت الستارة على سلسلة جولاتها الانتخابية بدءاً من جولتي الانتخابات الرئاسية ووصولاً الى جولتي الانتخابات البرلمانية، مَنحت غطاءها لإعادة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي وهو قرار توصّلت اليه قبل الانتخابات النيابية اللبنانية، وتفاهَمت عليه خلال تواصلها المستمر مع «حزب الله». فباريس الدولة الوحيدة تقريباً المهتمّة بلبنان وبكيفية اعادة بناء الدولة اللبنانية والمهتمّة باستعادة حضورها في المرحلة المقبلة في الشرق الاوسط من خلال لبنان، تعمل على رسم خارطة طريق المرحلة المقبلة في لبنان والتي تختزن العديد من الاستحقاقات المهمة، وفي طليعتها استحقاق رئاسة الجمهورية. صحيح انه من المبكر فتح ملف الانتخابات الرئاسية اللبنانية على مصراعيه، الّا انّ مقاربة ملف الاستحقاق الحكومي وسط توقعات بمرحلة فراغ رئاسي تلامِس في بعض جوانبها ملف الاستحقاق الرئاسي.
وفي المقابل فإنّ السفير السعودي المنشغل في اعادة ترتيب اوراق البيت السنّي بعد الفراغ الذي أحدثه خروج الرئيس سعد الحريري ومعه تيار المستقبل من الحياة السياسية، قد لا يسمح بالوقت الكافي للتأثير الكبير والحاسم في تسمية الرئيس المقبل للحكومة. لكن ثمة ما هو أبعد من الساحة اللبنانية على المستويين الفرنسي والسعودي. فالحرب الدائرة في اوكرانيا، والتي تشعر العواصم الاوروبية بارتجاجاتها يومياً، تجعل باريس العاصمة السياسية لأوروبا اكثر تمسّكاً من اي وقت مضى بالشاطئ الشرقي للبحر الابيض المتوسط. فالامن الاستراتيجي الاوروبي بات مرتبطاً الى حدٍ بعيد بهذه المنطقة إن من ناحية حمايتها من موجات الهجرة غير الشرعية، والتي يختبئ في طياتها العديد من المخاطر الامنية، او خصوصا لناحية امنها النفطي والاقتصادي.
لذلك على سبيل المثال، لم يكن مستغرباً ان يخصّص المفاوض الاميركي آموس هوكستين خلال زيارته الاخيرة الى لبنان مقر السفيرة الفرنسية كمحطة في برنامج زيارته، ولو أنّ هذه الخطوة تبقى غير مألوفة في تاريخ الزيارات الاجنبية الى لبنان. والواضح ان خط التواصل المفتوح بين السفارة الفرنسية و»حزب الله» يؤدي مهامه المطلوبة منه. وبالتالي، فإنّ الاتفاق على الحدود البحرية وانجاز هذا الملف بات مطلباً اوروبياً واميركياً، ما يفتح الابواب على التفاؤل في هذا الاطار. ومعه تستعد باريس بعد الانتهاء من ورشتها الانتخابية الى طرح مبادرتها تجاه لبنان انطلاقاً من ملف «سيدر-2»، والذي يحتاج اليه بشدة الاقتصاد اللبناني المنهار. على أن يَلي ذلك ملف التسوية السياسية الذي أخّرته بعض الشيء تطورات المنطقة ووضع الملف النووي جانباً، وقد يكون هذا الملف بحاجة لأزمات سياسية اضافية لا بد انها آتية مع بدء مرحلة الفراغ الرئاسي بهدف إنضاجه.
اما على المستوى السعودي، فلا بد من انتظار الزيارة التي سيقوم بها الرئيس الاميركي الى المنطقة. وبالتالي، فإنّ نجاحها في تحقيق اهدافها او فشلها سيكون له تداعياته المباشرة على الملف اللبناني. اذاً، بعد التكليف ثمّة مشوار صعب ومتعرّج ينتظر الجميع. اولى التحديات ستظهر مع قرار رفع الدعم نهائياً عن البنزين. وهذا القرار على ما يبدو قد اتخذ ولكنه ينتظر الاخراج المطلوب. وقد علّمتنا التجارب انّ الذهاب في هذا الاتجاه يستوجِب تحضيراً لا يخلو من الصعوبة على مستوى الشارع. لكنّ قدوم المغتربين وإدخالهم للعملة الصعبة الى الشرايين المهترئة للاقتصاد اللبناني، سيؤدي الى تمرير أشهر الصيف وصولاً الى موعد خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا وبدء مرحلة الفراغ الرئاسي.
عندها، من المرجّح ان تشتعل الازمات مصحوبة بالحملات السياسية وتبادل اللكمات. ولا بد ان يترافق هذا المناخ مع مزيد من الانهيارات المعيشية والاقتصادية.
وقد تصل الذروة مع انتهاء ولاية رياض سلامة كحاكم لمصرف لبنان واستلام نائبه مهامه. وهو ما يعني فعلياً فراغاً مسيحياً في رئاسة الجمهورية في مقابل حضور كامل لموقعي رئاسة المجلس النيابي الشيعي ورئاسة الحكومة السني، وفراغاً مسيحياً ايضا على مستوى حاكمية مصرف لبنان لصالح نائب الحاكم الشيعي. وهذا «التسخين» المتوقّع قد يؤدي الى إنضاج ظروف عقد المؤتمر لإنجاز تسوية سياسية حول لبنان، تفتح الطريق امام وصول رئيس جديد يُشرف على برنامج اعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية تحت اشراف الامم المتحدة ومن خلال صندوق النقد الدولي. وهو ما يعني انّ حظوظ وصول رئيس توافقي هي الأرجح، وهو ما تتطلّبه مسيرة اعادة بناء مؤسسات الدولة، اضف الى ذلك فتح الابواب امام المساعدات الخارجية الملحة والتي ستشكّل دول الخليج العربي أحد أبرز مصادرها.
ومن المفترض ان تساهم العلاقة الفرنسية مع مصر في إيلاء القاهرة دوراً اساسياً خصوصاً لناحية رعاية الشارع السني، لا سيما انّ مصر عملت سابقاً مع الاردن على تقييم الوضع الخطير الذي يعيشه لبنان، والذي بات يهدد استقرار الاردن وبالتالي التوازنات الدقيقة للمنطقة. أضف الى ذلك العلاقة القوية التي تربط الرئيس المصري بالسعودية.
وهو ما يعني انّ «تكليف الخميس» سيمهّد لمرحلة اعادة تشكيل البلد، والذي سينطلق مساره فعلياً مع الدخول في مرحلة الفراغ الرئاسي وصولاً الى انتخاب رئيس جديد توافقي من المفترض ان يشكّل بداية مرحلة إعادة بناء الدولة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :