كتب رشيد حاطوم
تتصاعد في الأيام الأخيرة حملةٌ منظمة تستهدف قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل، تقودها أصوات من نواب “التغيير” وبعض من يدور في فلكهم الإعلامي والسياسي. والذريعة هذه المرّة، مواقفه الواضحة من الاحتلال الإسرائيلي، ودعوته إلى تعليق عملية حصر السلاح جنوب الليطاني إلى حين توقف الاعتداءات الإسرائيلية — وهي دعوة لا تنبع من موقع سياسي، بل من إدراكٍ استراتيجي لمعادلة الميدان ولواجب الجيش في حماية الأرض والإنسان.
المفارقة أن معظم الذين يهاجمون اليوم هذا الموقف، هم أنفسهم الذين أمضوا سنواتٍ يطالبون بالاعتماد على الجيش وحده في مواجهة أي تهديد. وحين تكلّم قائد الجيش من منطلق وطني خالص، واضعًا أمن لبنان فوق الانقسام الداخلي، انقلبوا عليه في لحظةٍ، وكأنّ مشكلتهم ليست مع السلاح، بل مع أيّ موقفٍ لا ينسجم مع أجنداتهم الخارجية أو مزايداتهم الشعبوية.
السؤال الجوهري: هل الخلاف مع القائد هو على مفهوم السيادة، أم على موقعها؟
فالسيادة ليست شعارًا يعلّق في الخطابات، بل ممارسة تُقاس بمدى قدرة الدولة على صون قرارها المستقل. ومن يرفض تعليق مهمة الحصر بالسلاح في ظلّ العدوان، إنما يطلب من الجيش أن يواجه العدوّ بسلاحٍ مقيّدٍ وأفقٍ مغلق، وهذا بالضبط ما يريده الاحتلال.
لقد أثبت قائد الجيش أنّه رجل دولةٍ لا يُقاس بمنصبه، بل بثباته عند المنعطفات الكبرى. في اللحظات الحرجة، لم يساوم على استقلال المؤسسة، ولم يساير في مسألة الكرامة الوطنية، مدركًا أنّ الجيش هو آخر ما تبقّى من ثقة اللبنانيين بدولتهم، وأنّ المسّ به يعني فتح الباب أمام فوضى لا حدود لها.
ولعلّ أخطر ما في المشهد، أنّ بعض الخطابات النيابية تماهت — عن قصدٍ أو عن جهلٍ — مع الانزعاج الإسرائيلي من الموقف الوطني لليرزة، حتى بدا وكأنّ الهجوم على القائد جزءٌ من صدىٍ سياسيٍّ يتردد من خلف الحدود.
لكنّ الحقيقة تبقى واحدة: الجيش ليس طرفًا في السياسة، بل صمّام أمان للوطن كلّه، ومن يستهدف قائده إنما يضعف هيبة الدولة لا أكثر.
يروي أحد العارفين أن قائد الجيش، حين سُئل عن الحملة التي تطاله، اكتفى بابتسامةٍ قصيرة وقال:
“من يهاجم الجيش، إنما يهاجم نفسه، لأننا جميعًا أبناء هذا التراب.”
كلمة تختصر فلسفة رجلٍ يعرف أنّ القوة ليست في الردّ، بل في الثبات، وأنّ هيبة القيادة تُصان بالصمت حين يكون الكلام إسفافًا.
في زمن الفوضى والرياء، يبقى الجيش اللبناني **الوجه الأخير للثبات الوطني**، ورمزه قائدٌ يتقدّم بخطىٍ واثقةٍ في أرضٍ تهتزّ تحت الجميع.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :