لبنان... حين تشتعل الذاكرة الخضراء
لبنان يحترق بصمت... والنار تلتهم ما تبقّى من الأخضر حين يصير الدخان مرآة لغياب الدولة والطبيعة معًا
- محلي
- Icon News
- 05:17 am - نوفمبر 13 , 2025
كتب رشيد حاطوم
لبنان... حين تشتعل الذاكرة الخضراء
تشتعل التلال، لا كغضبٍ من الأرض، بل كوجعٍ منها.
تشتعل وكأنها تكتب وصيتها بالنار، بعد أن يئست من وعود البشر الذين وعدوها بالحماية، وتركوا جذورها وحيدة في مهبّ الجفاف والإهمال.
في لبنان، لا تأتي الحرائق من صدفةٍ عابرة.
هي ابنة الإهمال، وحفيدة التغيّر المناخي، وأخت لفسادٍ إداريٍّ جعل الغابات بلا حرّاس، والأودية بلا عيونٍ تراقب. كل عام، تحترق أرواح الأشجار قبل أغصانها، في بلدٍ كان يُقال عنه إنه “قطعة سما”، فإذا به يتحوّل إلى رمادٍ معلّقٍ بين الأرض والسماء.
رائحة الصنوبر المحترق لا تفارق الذاكرة.
ولا تُطفئها لا المروحيات المتعبة ولا الوعود المكرّرة. من الدامور إلى القبيات، ومن الشوف إلى الكورة، تحترق الغابات وتختنق الطيور، فيما الدولة تتفرّج من خلف دخانٍ كثيف يغطّي المشهد والضمير معًا.
كل شجرة سقطت اليوم، كانت بيتًا لعصفورٍ، وملجأً لظلٍّ، وذاكرةً لعابرٍ كتب تحتها أول حبٍّ له.
الحرائق ليست فقط خسارة بيئية — إنها فاجعة وجدانية، لأن ما يحترق هو جزء من هوية لبنان التي لم تعد تُروى بالماء، بل بالدمع.
ومع ذلك، ما زال في الجبل رمق حياة.
فكل رمادٍ يخفي تحته بذرةً عنيدة، تنتظر أول شتوة لتنهض من جديد.
تلك البذرة هي لبنان الحقيقي: وطنٌ ينهض من تحت النار، يصرّ أن يكون أخضر مهما احترق، وأن يزرع في كل تلةٍ قصة جديدة عن البقاء.
يُقال إن الأشجار تهمس لبعضها عند الغروب. في ليالي لبنان هذه، تهمس الغابات المحترقة للغابات البعيدة:
“لا تخافي، سيعود المطر... وسيعود الذين يحبوننا”.
يقول أحد حرّاس الغابات القدامى في الشوف، وقد شابت لحيته وهو يتأمل الرماد:
“كنا نحرس الشجر كما نحرس أولادنا، واليوم نحرس الرماد كي لا يسرقه الهواء.”
في تلك الجملة تختصر الحكاية كلها.
لبنان لا يحترق فقط بالنار، بل يحترق بالإهمال، بنارٍ أشدّ من النار: نار اللامسؤولية، التي تلتهم كل ما كان يومًا أخضر وأملًا.
ويبقى السؤال الموجع:
هل ننتظر المطر ليطفئ الحرائق، أم ننتظر ضميرًا يصحو قبل أن يُطفئ المطر آخر ما تبقّى من الوطن؟
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :
