العفيف في حضرة السيّد... حبرٌ صار دماً وكلمةٌ صارت خلودًا

العفيف في حضرة السيّد... حبرٌ صار دماً وكلمةٌ صارت خلودًا

 

Telegram

 

كتب رشيد حاطوم 

تمرّ الذكرى كطيفٍ حزينٍ لا يغيب. عامٌ على الرحيل الكبير، على غيابٍ لم يشبه أي غياب. محمد عفيف، لم يكن إعلاميًا عابرًا في سطور المقاومة، بل أحد أعمدتها التي شيّدتها الكلمة الصادقة، والموقف الثابت، والوجه الواثق الذي لم يعرف الخوف طريقًا إلى قسماته.

في زمنٍ صار فيه الإعلام معركة لا تقلّ قسوة عن ميادين القتال، كان عفيف رجل الجبهتين: يُقاتل بالبيان كما يُقاتل المجاهد بالسلاح، يكتب بمدادٍ من الإيمان والعقل، ويُدير الحروب الكلامية بذكاءٍ لا يخلو من إنسانية. لم يكن متحدثًا باسم المقاومة فحسب، بل لسانها وروحها التي تعرف متى تصمت ومتى تصرخ بالحق.

من يعرفه، يدرك أن في هدوئه عاصفة، وفي صمته قرارًا، وفي ابتسامته يقينًا بالنصر. يوم استُهدف، لم يكن غافلًا عن الخطر. كان يعلم أنه في مرمى العدو منذ مؤتمره الصحافي الأخير، لكنه بقي كما عهدناه: ثابتًا، متوازنًا، يرفض المظاهر الأمنية، يواجه قدره بعينين من نور. مارس واجبه حتى اللحظة الأخيرة، وكأنه أراد أن يختتم حياته على الأرض بما يشبه اكتمال الرسالة.

تحوّل محمد عفيف في سنواته الأخيرة من مسؤول إعلامي إلى معلمٍ في مدرسة الوفاء، يقصده الصحافيون كما يقصدون المنارة في العتمة. فتح بيته وقلبه للجميع، بلا استثناء ولا تفرقة، وكان الجسر بين المقاومة والإعلام الحر، بين الكلمة والسلاح، بين المبدأ والإنسان.

وفي آخر كلماته قبل استشهاده، قال: "لا طيب العيش بعدك يا سيّد"، وهو يقصد الشهيد الأقدس السيد حسن نصرالله. قالها وكأنه يوقّع على وصيّةٍ من نور، ويودّع الدنيا التي أحبّها فقط لأنها كانت ساحةً لخدمة القائد والمقاومة والوطن.

الذين عرفوه عن قرب، يعرفون كم كان قريبًا من السيد، كم كان صادقًا في محبّته، ومخلصًا في مسعاه. لم يكن مجرّد متحدثٍ رسمي، بل شاهدًا على زمنٍ كاملٍ من التحدي والصبر، ومشاركًا في صناعة صورة لبنان المقاوم الذي لا يركع.

بعد عامٍ على استشهاده، لا تزال صورته بيننا: بين الأوراق، في صدى المؤتمرات، في نبرة كلّ إعلاميٍّ شريف تعلّم منه أنّ الكلمة سلاحٌ لا يُشهر إلا في وجه الباطل. رحل محمد عفيف، لكنّه ترك فينا صوته، وضحكته، وهدوءه، وحضوره الذي يشبه وعدًا صادقًا بأنّ من أحبّ السيّد لا يُغيب، بل يبقى خالدًا في ظلّ الحق الذي عاش ومات لأجله.


يقال إنّ بعض القامات حين تغيب، تترك خلفها أثرًا لا يُمحى، لأنّها لم تكن مجرّد أسماءٍ في التاريخ، بل علاماتٍ مضيئة على درب الحقيقة. ومحمد عفيف، في حضرة السيّد، صار كلمةً أبدية تُكتَب بحبرٍ من دمٍ ووفاء.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram