لماذا مطار دمشق
يأتي هجوم العدو على مطار دمشق في سياق الاعتداءات المتكررة على فلسطين والفلسطينيين وعلى لبنان واللينانيين ، فالعدو يعرف أنه في معركة مع كل كيانات الأمة ، ومع أمتنا بكل تلاوينها ، لذلك نراه يفتح سلسلة معارك إستباقية من حرب حقيقية في فلسطين وحرب شبه مستترة في كردستان العراق الى وادي عربة الى لبنان الى البحر السوري والشام، كي تصنع سور حماية يحميها في المستقبل من مبادرات وحدوية، ومن فعل نهضة يكون في طليعة أهدافها تحرير الأراضي المحتلة.
غاية العدو تدمير شرايين الحياة في سورية الطبيعية ،فبعد احتلال تركيا لمنطقة كيليكيا واسكندرون ، وبعد احتلال أيران للأحواز ، واحتلال العدو لفلسطين وبعد خسارتنا لسيناء وأجزاء أخرى تعد من الشرايين المُغذّية لقلب الأمة ، يأتي اليوم تدمير مرفأ بيروت وتعطيل حركة الطيران في مطار دمشق ليؤكدا أن العدو يحاول تدمير ما بقي من شرايين الحياة في جسد الأمة .
يأتي الهجوم على مطار دمشق ، في سياق استهداف تدمير الحياة في الشام . فبعد خسارة البترول والثروة الزراعية والثروة الحيوانية ، ومناطق الخصب الواسعة وعدد كبير من العقول المبدعة ، وبعد خسارة المدن الصناعية والأسواق التجارية المهمة، وبعد خسارة المساحات الواسعة ، وبعد محاولة تدمير الحياة الوطنية والقومية عبر بعث الحركات الطائفية والأتنية ،يأتي قصف المطار لتدمير شريان جديدا من شرايين الحياة في الشام .
تواجه الأمة مشروع تجفيف مواردها الطبيعية ، بخفة واستهتار وصمت مخيف ، وكأنها ترضى بأن تمشي ببطء الى هلاك أكيد . فهي لا تعيش حالة حصار عادي بل تعيش هجومات من الجهات الاربع غير عادية .
الخطر الأكبر، أن الأمة لا تحاول مواجهة الأخطار موحدة وبموقف واحد ، بل بعضها يواجه كل على هواه ،وبعضها يلزم الصمت وينتظر النتائج، وبعضها أعلن اصطفافه الى جانب الأعداء .
يهاجمنا العدو موحدا وبخطة واحدة من جميع الجهات، ونواجهه متفرقين، يحاول كل فريق النجاة على طريقته فالبعض يعتبر أن المواجهة والمعارك هي سبيله الى الخلاص والبعض الآخر يطلب النجاة كيفما كان ودون شروط ،ولو كان على حساب الوطن والأمة .
قد يكون غير لائق الحديث عن المبادىء والعقائد والأفكار لحظة اشتعال النار واندلاع المعارك ، لكننا ونحن نعيش وجع التجزئة لا بد من أن ندعو الى وحدة تكون على قواعد مبادىء الوحدة الوطنية والقومية ، لأنها خلاصنا .
لم تعش أمتنا سلاما منذ زمن بعيد يعود الى ما قبل ألف سنة ، لذلك لم تستطع أن تخطط لقيام وحدتها وبعث نهضتها .
تعيش الأمة اليوم على حفاف الانهيار الكبير، لكنها لن تنهار ، وهذا ما يدفعنا لنقول بأن الرد الحقيقي الأول على خساراتنا وتهديم شرايين الحياة في بلادنا يكون في إحياء مشروع وحدتنا .
هل كان يستطيع العدو أن يقصف دمشق ومصياف وحمص من سماء الكيان اللبناني ويتجرأ في تدمير بيوت أهلنا في فلسطين وقتل الأطفال والإعلاميين وسجن الأولاد لو كان شعبنا موحد الانتماء والايمان وموحد النظرة الى العدو والصديق وكيفية المواجهة .
هل كانت تتجرأ دولة العدو على سرقة ثروتنا في بحرنا السوري ، فخيرات البحر لشعبنا في فلسطين ولبنان وجميع كيانات الوطن السوري ، لو كنا أمة واحدة ووطنا وواحدا .
طفح الكيل أيها الشعب ، أما آن لك أن تعرف العدو من الصديق ، أما أن لك معرفة مصدر الموت ومصدر الحياة .
لم يكن الهجوم على مطار دمشق الهجوم الأول على الشام ولن يكون الأخير ، ولم يكن الاعتداء على ثرواتنا الأول ولن يكون الأخير ، فهل نتعظ وندرك أن المعركة واحدة .
لثروتنا في البحر نتمنى السلامة ، ولأرضنا المسروقة نتمنى العودة ، وللتجزئة نتمنى الموت وإحياء الوحدة ، ونحن نعرف ان الحياة لا تكون بالتمني إنما تُأخذ الدنيا غلابا .
عيوننا ترحل الى دمشق كل يوم على أمل أن تراها يوما ما مصانة من كل اعتداء وعاصية على كل طامع .
سامي سماحة
نسخ الرابط :