سلطت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، الضوء على الصراع التركي الإماراتي، في تقرير مطول أشارت فيه إلى موقف تركيا من اتفاق التطبيع بين تل أبيب وأبوظبي والذي وصفه الرئيس رجب طيب أردوغان بالنفاق.
ونقل تقرير الصحيفة البريطانية، عن إيميل هوكاييم الخبير بالشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية قوله، إن النزاع بات يحدد السياسات الآن في الشرق الأوسط، وهذه المنافسة يتم لعبها بشكل مفتوح وعبر جماعات وكيلة وستجذب لكل طرف لاعبين دوليين”.
وحسب الصحيفة، فإن المسؤولين الأتراك والإماراتيين يعتقدون أن التطبيع هو جزء من تعميق التحالف ضد أنقرة واستعراض تأثيرها مع زيادة حمى التنافس، حيث أكد إيميل كوهيم أن هذا النزاع سيحدد ملامح السياسة في الشرق الأوسط حالياً.
صفقة الإمارات وإسرائيل
يعتقد المسؤولون الأتراك والإماراتيون على حد سواء أن صفقة الإمارات مع إسرائيل، ولو جزئياً، جاءت بسبب رغبة أبوظبي في تعميق تحالفاتها الإقليمية ضد أنقرة واستخدام نفوذها في وقت باتت المنافسة بين الطرفين أكثر حدة، وفق الصحيفة.
ونقلت الصحيفة، عن مستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، عبد الخالق عبدالله، والذي يعكس في العادة وجهة نظر الدولة قوله: “بعد سماع التهديدات من المسؤولين الأتراك – وأنت تسمعها مدوية جداً – بالطبع يساعد الإمارات أن يكون لها حليف مثل إسرائيل. ما من شك في أن ذلك عجل بإبرام الصفقة. فأنت بذلك تحصل على المعلومات الاستخباراتية وتصبح جزءاً من تحالف أكبر، والانطباعات لا تقل أهمية عن الواقع.”
جاءت هذه “التهديدات” بعد أن زادت تركيا من تدخلها في الحرب الأهلية الليبية دعماً للحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، حيث أنه وقبل أن تنشر أنقرة قواتها، بما في ذلك مسلحين سوريين، وتنشر أنظمة الدفاع الجوي، كان وكيل الإمارات في ليبيا، الجنرال المتمرد خليفة حفتر، يحقق المكاسب وقد فرض حصاراً على طرابلس، وذلك بفضل شحنات الأسلحة والمعدات الضخمة التي كانت ترد إليه من الدولة الخليجية، بحسب ما يقوله مسؤولون في الأمم المتحدة ودبلوماسيون.
واستدركت الصحيفة: “إلا أن القوة التركية الضاربة أفقدت حفتر تفوقه الجوي، وقضت على مساعيه لإسقاط حكومة طرابلس، وأجبرت مقاتليه على الانسحاب المتعجل. ونتيجة لذلك فقد تلقت طموحات أبوظبي في هذه الدولة الشمال أفريقية ضربة قوية، بينما أثار الصراع مخاوف من اندلاع مواجهات إقليمية على نطاق واسع في منطقة جنوب المتوسط”.
الأوهام الاستعمارية
من جهة أخرى، حسب الصحيفة، تتهم الإمارات العربية المتحدة أردوغان بأن لديه أوهاماً استعمارية، وبأنه يدعم الجماعات الإسلامية ويشكل محوراً معاد بالتعاون مع قطر، منافسها الخليجي، مضيفةً: “يعتقدون في أبوظبي أن قطر الثرية توفر التمويل بينما تقدم تركيا العضلات حيث يسعى السيد أردوغان لتنصيب نفسه زعيماً للعالم الإسلامي السني”.
وتابعت الصحيفة: “يشكل الشيخ محمد بن زايد رأس الحربة في المسعى العربي للحد من النفوذ التركي. ولذلك فإن الإمارات العربية المتحدة ليست وحدها في التعبير عن القلق إزاء الاختراقات التي يقوم بها أردوغان في الشرق الأوسط، والتي تضمنت هجوماً تركياً في شمال شرق سوريا في العام الماضي وعمليات عسكرية في شمالي العراق، وكلاهما في مواجهة المسلحين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين”.
وتابعت الصحيفة: “لطالما جرت الإمارات العربية المتحدة، التي لا يزيد عدد مواطنيها عن 1.5 مليون نسمة وإن كانت واحدة من أغنى البلدان في المنطقة، خلف طموحات تتجاوز حجمها وقدرتها. فمنذ أن هزت الانتفاضات العربية المنطقة في عام 2011، أنفقت أبوظبي عشرات المليارات من الدولارات النفطية لتقوية حلفائها في مختلف أرجاء الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال التجارة والمساعدات واستخدام الموارد العسكرية”.
مواجهة إيران
يقول مايكل ستيفنز، الزميل المشارك في معهد الخدمات الملكية المتحدة: “حينما وجدت نشاطاً إماراتياً ستجد في الأغلب نشاطاً تركياً، يناصبه بشكل مباشر لا يشبه شيئاً مما تمارسه إيران بهذا الشأن. فهم يعتقدون أنهم يقفون وجهاً لوجه أمام تركيا تناصبهم العداء من حيث قوميتها، ونفوذها وتصميمها على ألا تسمح للإمارات بإنجاز ما تريد.”
وحسب التقرير، فإنه خلال السنوات الأولى بعد نجاح أردوغان في إيصال حزبه ذي الجذور الإسلامية، حزب العدالة والتنمية، إلى السلطة في 2002، كانت تركيا تعتبر من قبل الكثيرين داخل وخارج الشرق الأوسط بالنموذج الذي يحتذى في المنطقة. وكانت حكومات دول الخليج تتطلع إلى زيادة روابطها الاقتصادية بينما رأت في تركيا شريكاً سنياً محتملاً في مواجهة إيران الشيعية.
تغير ذلك عندما فاز محمد مرسي، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، بأول انتخابات رئاسية ديمقراطية تجري بعد ثورة 2011 التي أسقطت حسني مبارك.
الانتفاضات العربية
ونقلت الصحيفة، عن مسؤول تركي كان يعمل دبلوماسياً في الإمارات في العقد الأول من الألفية الجديدة قوله: “كنت أعامل كالأمير، وأدعى إلى كافة اللقاءات – كانت كل الأبواب مفتوحة. ثم بدأ الذعر ينتشر في أوصال أبوظبي عندما أيدنا مرسي، الزعيم المنتخب ديمقراطياً. فقد أسخطهم ذلك جداً.”
وحسب الصحيفة، فقد غدت الانتفاضات العربية عوامل حسم في علاقات تركيا مع محور الإمارات ومصر والسعودية. فقد رأي الشيخ محمد في تلك الفترة المضطربة تهديداً وشيكاً بينما كان يراها أردوغان فرصة سانحة.
كان ولي العهد مقتنعاً بأن واشنطن تخلت عن مبارك رغم أنه كان حليفاً لها لسنوات طويلة، ثم جاء انتخاب حكومة تابعة للإخوان المسلمين في البلد الأكثر سكاناً في العالم العربي ليؤكد هواجس كانت لديه من أن الحركات الإسلامية تستغل الفوضى للوصول إلى السلطة، وفق الصحيفة.
وأضافت: “عززت هذه الأحداث القناعة لدى خريج أكاديمية ساندهيرست العسكرية بأنه يتوجب على الإمارات العربية المتحدة لعب دور أنشط في تشكيل الجوار مستغلة مواردها في مواجهة الجماعات الإسلامية، وأن عليها أن تفعل ذلك بحماسة تكاد تكون عقائدية. ما لبث ذلك هو صميم سياسته الخارجية منذ أن أصبح، كما يقولون، الزعيم العربي الأعظم نفوذاً”.
أردوغان و مرسي
واستدركت: “لكن بالنسبة أردوغان، منحته الثورة المصرية فرصة إبرام تحالفات مع حليف إسلامي في قلب العالم العربي، بينما كانت الإمارات العربية المتحدة تمول وسائل الإعلام المعادية للإخوان المسلمين، ساندت أنقرة مرسي ومدته بالدعم السياسي والمالي. إلا أن الأمور انقلبت سريعاً وبشكل دراماتيكي عندما استولى عبدالفتاح السيسي على السلطة في انقلاب 2013. ولكونه رجلاً عسكرياً سلطوياً، فقد ارتمى السيسي في أحضان الشيخ محمد، وسحق الحركة الإسلامية، وتلقى مقابل ذلك المليارات من الدولارات على شكل مساعدات إماراتية”.
في المقابل، اعتبر أردوغان الإطاحة بمرسي إهانة كبيرة – وبمثابة إنذار له بأنه قد يكون التالي. ولذلك تحوم شكوك لدى المسؤولين الأتراك بأن أبوظبي ربما لعبت دوراً غير مباشر في المحاولة الانقلابية الفاشلة على أردوغان عام 2016 رغم أنهم لا يقدمون دليلاً يثبت ما يقولون.
في خطاب له عام 2017، قال أردوغان هادراً: “عندما كانت هناك محاولة انقلابية في تركيا، نعرف جيداً من في الخليج كان سعيداً جداً بها.”
في السنوات التي تلت الانقلاب المصري، تحولت تركيا إلى ملاذ آمن لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين فروا من البطش والقمع الوحشي. واليوم، غدت تركيا مركزاً للمعارضين العرب من مختلف أرجاء المنطقة. في هذه الأثناء، تلقي كل من أبوظبي والرياض بثقلها خلف الرجال الأقوياء الموالين لها.
يقول مسؤول تركي آخر: “يريدون السلطويين حتى يتمكنوا من وقف الأحزاب السياسية في الشرق الأوسط. ولكن ذلك لن يجدي نفعاً، فهم دوماً يبالغون في قدراتهم ويستقلون قدرات خصومهم.”
حدود محمد بن زايد
يرى البعض أن هذه المنافسة أفضت إلى كشف محدودية ما لدى الإمارات العربية المتحدة من سلطان. حتى أن ضابط استخبارات غربي سابق يقول: “قد نكون شهدنا أقصى ما يمكن أن يصل إليه المد الإماراتي من نفوذ في المنطقة.”
ويضيف: “ما جرى في ليبيا نموذج جيد للدلالة على أنه إذا ما ألقت قوة جادة بثقلها خلف الطرف الآخر، فلا يوجد الكثير مما يمكن للإمارات أن تفعله لأن كل ما لديهم في الواقع هو دفتر الشيكات ومبيعات السلاح.”
والأمر كما يراه ليس تنافساً إقليمياً بقدر ما هو استهداف من قبل أبوظبي لتركيا لأن الإمارات العربية المتحدة ترى في نفسها أنها “العقل المدبر” للتحالف المناهض للإسلاميين.
ويقول في ذلك: “تواجه طموحات محمد بن زايد بعض العقبات الحقيقية. فهو يبحث عمن يجندهم لكي يقاتل بهم تركيا، بما في ذلك الأمريكان، ومن هنا يأتي وضع تركيا في خندق واحد مع إيران. ولكنني لست متأكداً من أنه سينجح.”
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :