المحيطون برئيس مجلس النواب نبيه بري باتوا اخيرا على قناعة من ان نجاح الجهود الشاقة التي بذلت لتكليف الرئيس سعد الحريري بتاليف الحكومة المنتظرة،والتي ادى فيها سيد عين التينة دور راس الحربة، ليست بالانجاز العادي الذي يفتقد الى مقدمات ولا ينتظر منه تبعات متلاحقة واعدة.بل هو في تقديرهم عمل استثنائي،ان في اللحظة التي اتى فيها وان بما ينطوي عليه من ابعاد لاحقة ينتظر ان تتكشف فصولها على نحو يحمل معه عناصر ومعطيات ايجابية من شانها ان تعيد البلاد الى توازنها المفقود على كل الصعد، وتساهم استطرادا في اخراجه تدريجا من عنق زجاجة الازمة الخانقة.
وعليه يستعير احد مستشاري الرئيس بري معادلة كيميائية ليقدم مقاربة للدور الذي تصدى له رئيس المجلس ومضى به عندما استشعر ان الرئيس الحريري قد قرر جديا خوض غمار التحدي وبات جاهزا لاستعادة المنصب الذي تخلى عنه قبل عام وانهى فترة تردد ومراوحة طالت اكثر من اللازم تحت وطاة حسابات ذاتية وموضوعية.وفحوى المعادلة ان الرئيس بري كان يطلق العنان لقوته الذاتية وذلك عندما اخذ عن سابق تصور وتصميم خيار الدعم المطلق للحريري لتنفيذ المهمة التي تقدم لها عن طيب خاطر هذه المرة.لكنه (بري) استفاد الى اقصى الحدود من القوة المستولدة والمستجلبة بفعل حراك شهده الداخل و الخارج على حد سواء، فكانت تلك عوامل ساهمت في تحقيق ما وضعه نصب عينيه من اهداف ومقاصد عندما قرر المضي في انجازه اياه والقائم على معادلة من ثلاثة وجوه:
– ان السياسي المحترف، كما الانسان البارع يستغل الفرص السانحة لانها وفق قول الامام علي تمر مر السحاب.
– لاوقت اطلاقا يسمح بالترف والمماطلة وفق الحسابات الفئوية الضيقة فالوضع اصعب مما يتخيله كثيرون.
– انه علينا كلبنانيين ولاسيما القوى السياسية في دائرة الحكم وفي خارجها ان نقدم ولو متأخرين ما يقنع الاخرين باننا مهتمون بمصائرنا واننا لانضيع الوقت ونهدر الفرص في التساجل حول جنس الملائكة فيما عناصر كثيرة سلبية تتراكم لتضرب حصارا محكما حولنا وتعمل على خنقنا.
وبناء على تلك المسلمات فان الرئيس بري قد ذهب، وفق هؤلاء ,بلا تردد في انفاذ قراره وخياره، وهو يدرك انه انما يتحمل مخاطر اذ انه يمضي وقد بدا انه يفترق عن حليفه الاساسي “حزب الله” في لحظة مفصلية , وانه يجازف ربما بالتأثير سلبا على علاقة استقرت بجهد اخيرا مع سيد العهد ومع التيار الوطني الحر.فضلا عن انه يتحمل بصدره وامام قاعدته العريضة تبعة اداءات تعتبرها سلبية بدرت من الحريري ابان فترة تكليف مصطفى اديب. وتجاوز بري كل هذه الاعتبارات والمحاذير لانه كان يقيم على قناعة فحواها بان الوضع بات يحتاج الى قرارات حازمة وجازمة : لابد من حكومة برئاسة الحريري على وجه التحديد لاسيما ان الرجل قد قرر اخيرا كسر التردد والاقدام حيث لايجرؤ كثر اخرون.
كل هذا تنطبق عليه صفات القوة الذاتية.اما القوة المستولدة المواكبة فقد وجدت ترجمتها اولا، وفق المستشار اياه بالدعم المعروف للعاصمة صاحبة المبادرة الانقاذية فرنسا، وثانيا في الاتصال الذي اتى من خارج كل الحسابات واجراه وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو برئيس الجمهورية ميشال عون والذي افضى الى خفض سقف معارضة القصر لعودة الحريري الى السرايا وجعل الرئاسة الاولى تكتفي برسالتها المتلفزة وتصرف النظر عن عملية ارجاء الاستشارات الملزمة للمرة الثانية وفق ما توقعه البعض.
وحسب معلومات تناهت الى المستشار اياه فان اتصال بومبيو تناول امرين على قدر من الاهمية الاول التهنئة بانطلاق قطار مفاوضات الاطار في الناقورة والثاني التذكير باهمية انطلاق ورشة الاصلاح المنشودة بالحاح والتي يحتاج امر الشروع بها والسهر على رعايتها الى حكومة عاجلة. وكان جليا ان كلام بومبيو المكثف ينطوي على استنتاجين الاول ان واشنطن غير مرتاحة لعمليات شد الحبال والمماطلة التي ترافق عملية تاليف الحكومة والثاني ان واشنطن لاموقف سلبيا لها ازاء عودة الحريري الى دست الحكم.
لذا كان الاتصال في توقيته ومضمونه بمثابة امر عمليات قطع مع مرحلة وفتح الباب امام مرحلة مختلفة وانه يتعين الخروج من دائرة التردد وعلى ما يبدو ثمة من استوعب وبدأ خط سيره، وتجلى ذلك في ما تخلل الاستشارات غير الملزمة في مجلس النواب. وعلى ما يبدو فان الوقائع الاخيرة المتتالية لم تات عفو الخاطر او اعتباطا فهي تواكبت مع محطات تهدئة وتبريد مماثلة سجلت في الاقليم وتحديدا في اليمن والعراق وليبيا واخيرا وليس اخرا في الساحة السورية.
ماذا بعد؟ الإجابة السريعة وشبه القاطعة عند هؤلاء المحيطين بالرئيس بري ان الطريق الى استيلاد حكومة جديدة اقرب مما يتوقع البعض، لابل ثمة تحديد لسقف زمني لابصار الحكومة النور قد لايتخطى الاسبوعين.ولهذه الاستنتاجات عند اصحابها مبرراتهم واسانيدهم وفي مقدمها:
– ان رئيس التيار البرتقالي قد برهن انه نزل عن شجرة تصلبه بعدما احاط بالمتغيرات وهو في طور مماشاتها.
– ان الرئيس الحريري يبدو انه استوعب الموقف وتنازل مكرها عن كثير مما كان يعتبره خطوطا حمراءفي عملية التاليف خصوصا بعد تجارب مرة غير مثمرة.
– من هذا المنطلق يسري حديث في الكواليس عن تفاهمات مسبقة منجزة بصمت بين الحريري وقوى من بينها “حزب الله” تتركز حول الحكومة المنتظرة شكلا ومضمونا ويبقى في نظر هؤلاء ان الكرة باتت اكثر ما يكون في ملعب الحريري العائد ليخوض غمار تجربة جديدة منقحة عن ذي قبل ويفترض انه وضع فيها كل رصيده وانه بات على المحك.
وابعد من الحدث المرئي ودور بري في اتمامه فان لدى اولئك الحاضرين دوما في اروقة عين التينة حديث عن نجاح اعمق لرئيس المجلس ينطلق من دوره في اطلاق عملية التفاوض على الاطاروالمتكامل مع عملية التكليف ليؤكدا مترابطين ان احد قطبي الثنائي الشيعي قد قدم فرصة افضل للبلاد للانطلاق نحو مرحلة جديدة من عناوينها البارزة حرص الثنائي على الاستقرار والسلم الاهلي الى الحرص على التوازن من خلال رفض كسر طائفة بعينها
نسخ الرابط :