فجأة ومن دون سابق إنذار، ولا مقدّمات تبرّر "سياقه الموضوعي" بالحدّ الأدنى، وجد "التوتر" الدبلوماسيّ غير المسبوق بين لبنان وعدد من دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، طريقه نحو الحلّ، أو بتعبير رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، فإنّ "الغيمة" التي خيّمت على العلاقات المشتركة "إلى زوال".
صحيح أنّ هذا الأمر برأي كثيرين هو "الطبيعي والبديهي" بالنظر إلى المسار "التاريخي"، إلا أنّه انطوى على "غموض" كبير، فهو أتى بعد أشهرٍ من رفع دول الخليج السقف إلى حدوده العليا، مع إعلان ما كاد يرتقي لمستوى "قطع العلاقات" بالمُطلَق، من دون أن تنجح كلّ الوساطات التي دخل "سعاة الخير" على خطّها في "ترطيب" الأجواء.
ومع أنّ "مبادرة خليجية"، حملت الكويت لواءها، بتنسيقٍ كاملٍ مع الرياض، ظهرت في الأفق قبل أسابيع، إلا أنّها بدت بالنسبة إلى كثيرين، محاولة لـ"رفع العتب" ليس إلا، خصوصًا أنّها لم تقترن بأيّ خطوات "جدية"، تؤشر إلى وجود "إرادة" حقيقيّة بطيّ الصفحة، بدليل أنّ الردّ الرسميّ الذي قدّمه لبنان عليها، وُضِع في الأدراج، ولم يحصد أيّ تعليق.
لكنّ كلّ ذلك بات من الماضي، بعد بيان لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قد لا يكون مُبالَغًا به القول إنّه "مُستنسَخ" عن بياناته وتصريحاته التي أطلقها منذ اليوم الأول لانفجار الأزمة، بما حمله من التزامات وتعهدات، إلا أنّه هذه المرّة وجد "صدى سريعًا"، فكانت بيانات الترحيب الكويتية والسعودية، وكان "التبشير" بإعادة للعلاقات إلى سابق عهدها.
فما "كلمة السرّ" التي حملها بيان ميقاتي، حتى أضحى بحدّ ذاته "مَدخَلاً" إلى الحلّ، بعدما عوملت تصريحاته المماثلة في السابق بـ"التجاهل والتطنيش"؟ وهل انتهت فعلاً الأزمة على مستوى العلاقات بين لبنان ودول الخليج؟ وكيف يتلقّف "حزب الله" التطورات المستجدّة على هذا المستوى؟ وهل هو مستعِدّ لمواكبتها إيجابًا، في ظلّ "العبء الثقيل" الملقى على عاتقه؟.
بالنسبة إلى "كلمة السرّ"، فالواضح أنّها لن تُكشَف في المدى المنظور، في ظلّ غموض يحيط بها من كلّ الجوانب، لم تنجح في تبديده التحليلات والتفسيرات والتأويلات والاستنتاجات التي انتشرت كالنار في الهشيم على مدى اليومين الماضيين، في محاولة من قبل المنخرطين في الشأن العام في قراءة "الألغاز والأسرار" خلف ما اعتبرها البعض "استدارة" خليجية جديدة، ولكن هذه المرّة للعودة إلى لبنان.
في هذا السياق، ثمّة من ربط التغيير الحاصل بالأحداث الإقليمية والدولية "الساخنة"، من الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها المحتملة على المنطقة، بما في ذلك دول الخليج، التي وجدت نفسها في "الوسط" بين المعسكرين الأميركي والروسي، في ظلّ ضغوط تُمارَس عليها، لتكون "الملاذ" لدول الغرب على صعيد الطاقة، من دون أن ننسى التطورات المرتبطة بالاتفاق النووي، والذي قيل إنّه قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز، قبل أن تطغى أوكرانيا عليه.
وثمّة من ربط ما حصل أيضًا بالاستحقاق الانتخابي الداهم لبنانيًا، خصوصًا بعدما أيقنت دول الخليج أنّ "انكفاءها" عن الساحة اللبنانية، مع ما رافقه من "عزوف" للشخصيات ذات الوزن والحيثية على المستوى السنّي، أدّى إلى حالة "فراغ"، سيكون معسكر "حزب الله" المستفيد الأكبر منها، وهو ما بدأ يظهر على أرض الواقع، من خلال ما يصفه خصوم الحزب بمسعى من جانبه لـ"اختراق" الساحة السنية، عبر ترشيح شخصيات محسوبة عليه.
لكن، بين هذا وذاك، ثمّة من ينفي أيّ "رابط" بين "المرونة" التي ظهرت على خطّ العلاقات اللبنانية الخليجية، وأيّ استحقاقات أخرى، أكانت محلية أم عربية أم دولية، ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أنّ ما حصل، وإن بدا خارج السياق المُعلَن للأحداث، جاء نتيجة لاستمرار الاتصالات خلف الكواليس على امتداد الأسابيع الماضية، حيث لم تتوقف المفاوضات، التي دخل على خطّها الفرنسيّون والأميركيون، في محاولة لرأب الصدع، وهو ما حصل أخيرًا.
إلا أنّ هؤلاء يشدّدون على أنّ الصفحة، وخلافًا لكلّ ما يُقال ويُروَّج، لم تُطوَ بشكل نهائيّ بعد، ولا سيما أنّ الترحيب الكويتي والسعودي بقي "محصورًا" بكلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحده، وهو لم يشمل سائر أركان المنظومة السياسية، ولا سيما "العهد"، ولا حتى الحكومة بأسرها، ما يوحي وكأنّ هناك شيئًا ما لا يزال مُنتظَرًا من جانب الحكومة، ولو أنّ هناك من يرجّح ألا يشكّل ذلك "عقدة"، خصوصًا أنّ التحضير لعودة السفراء قد بدأ عمليًا.
أما "المِحَكّ" الأساسيّ وسط كلّ ذلك، فيبقى وفق ما يقول بعض العارفين، في موقف "حزب الله"، وكيفية تلقّفه للانفتاح الخليجي المستجدّ، ولو أنّ العارفين بأدبيّاته، يؤكّدون أنّه يرحّب بعودة العلاقات بين الجانبين إلى طبيعتها، وأنّ هذا الأمر كان "مطلبه" من الأساس، باعتبار أنّه ليس من "افتعل" الأزمة، كما أنّه ليس من رفع سقف المطالب، التي وصلت في وقت من الأوقات، إلى حدّ المطالبة بتطبيق القرار 1559، الذي يعرف الجميع "حساسيّته" في لبنان.
من هنا، يؤكد هؤلاء أنّ "حزب الله"، الذي كان أساسًا في جوّ الاتصالات التي يجريها رئيس الحكومة، بل "مباركًا" لها، جاهز لإعادة "تطبيع" العلاقات، لكن من دون تقديم "تنازلات"، ولو أنّ البعض يعتقد أنّ مثل هذا الأمر قابل "للأخذ والردّ"، خصوصًا أنّ "الحزب" لم يعترض بحقّ على بعض المواقف التي أطلِقت في الآونة الأخيرة من جانب "شركائه" في الحكومة، ولا سيما رئيسها ووزير الداخلية، والتي تجاوزت بعض "الخطوط الحمراء" برأي جمهوره.
ولا يخشى "حزب الله" وجود "أجندة" خلف هذه العودة الخليجية، كما يروّج البعض، ممّن يربطها باستحقاق الانتخابات النيابية، ورغبة الرياض في "الإشراف" عليها مباشرة، ولو أنّها جاءت متأخّرة، وهو يؤكد أنّه لطالما كان وسيبقى مع علاقات "أخوية وطبيعية" مع جميع الدول "الصديقة" للبنان، شرط أن تحترم هذه الدولة "سيادة وحرية واستقلال" لبنان، علمًا أنّ النقاش في هذه الجزئية بالتحديد، من مختلف زواياها، قد يطول.
بمُعزَلٍ عمّا حدث، وعن وجود "كلمة سرّ" خلف الانفتاح السعودي والخليجي إزاء لبنان، وعن مقاربة "حزب الله" للأمر، فإنّ الأكيد يبقى أنّ "المصلحة العليا" للبنان ينبغي أن تبقى فوق كلّ الاعتبارات، "مصلحة" تعلو بلا شكّ على كلّ الاستحقاقات الداهمة، بل هي "عابرة" لها، ولو أنّ البعض بدأ يسأل سلفًا عمّا سيكون عليه الموقف بعد الانتخابات، إذا ما أفرزت كما هو متوقّع، نتائج في غير "خاطر" المجتمع الدولي، الراغب بـ"التغيير" قبل كلّ شيء!.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :