انقسمت الدولة اللبنانية بين "أمن الدولة" و"قوى الأمن الداخلي" على خلفية توجّه قوة من جهاز "أمن الدولة" لتوقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تنفيذاً لمذكرة توقيف أصدرتها القاضية غادة عون. والمذكرة، نتج عنها صدام مع قوة الحماية التابعة لقوى الأمن الداخلي والمولجة حماية سلامة، وسط تداول أنباء عن تدخل اللواء عماد عثمان للحؤول دون إتمام "أمن الدولة" لمهمته.
في النتيجة، تحول حاكم مصرف لبنان إلى فار من وجه العدالة من وجهة نظر أنصار "التيار الوطني الحر"، وأضيف ذلك الى الانقسامات اللبنانية المتعددة بين جهاز مقرب من رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر"، وبين جهاز مقرب من "تيار المستقبل". ومشهد اليوم شبيه إلى حد بعيد بجبهة حرب جديدة تندلع، لكن ليس خلف متاريس الشوارع بل بين مكونات الدولة.
القاضية غادة عون بدورها، نالت تضامناً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي، سواء من أنصار "التيار الوطني الحر" وأنصار "حزب الله" أو من أنصار ثورة 17 تشرين، الذين يعتبرون رياض سلامة مسؤولاً رئيسياً عن الأزمة الاقتصادية وشريكاً أساسياً للمصارف، وبالتالي سرقة أموال المودعين، وهم بطبيعة الحال، يرحبون بسقوط بيدق آخر من بيادق السلطة.
تحليلات كثيرة يطرحها رواد وناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، فيرى البعض أن ما يجري هو مجرد حرف للنظر عن موضوع ترسيم الحدود وما يجري حوله من صفقات مزعومة. ويرى آخرون أن استدعاء عون لسلامة إنما هو محاولة لإعادة الزخم لـ"التيار الوطني الحر" قبل الانتخابات النيابية ورفع المسؤولية عن نفسه في موضوع الفساد. وهناك من رأى في قرار عون استنسابية في تطبيق القوانين، حيث هناك إصرار على جرّ سلامة للتحقيق بينما يمنع القضاء من مساءلة مسؤولين آخرين عن الأزمة أو عن المثول أمام التحقيق من يتحمل مسؤولية انفجار مرفأ بيروت.
كعادة لبنان، لا يخلو أي حدث من الأبعاد الطائفية، فكانت لافتة تغريدة جوزيف أبو فاضل الذي اعتبر أن ملاحقة رياض سلامة هي استضعاف للمسيحيين، ولو كان مسلماً سنياً أو شيعياً لما تجرأ أحد على المساس به. أما صفحة "ميس الجبل" الاخبارية، فقد نشرت تغريدة قارنت فيها بين نزاهة غادة عون وفساد رياض سلامة، وكلاهما مسيحي، وقالت إنه "ليست كل أصابع المرء متشابهة"، في إشارة إلى أن المسيحيين ليسوا جميعاً سيئين. وما أحال الملف الى مقاربة طائفية، هو تدخل "تيار المستقبل"، الذي يفترض أنه علق العمل السياسي، بإصدار بيان وجد فيه البعض حماية لسلامة.
لا شك أن الاستنسابية موجودة في قرار غادة عون، ولا شك أن التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، بما لديهما من تأثير على القاضية عون، يضغطان ضد حاكم مصرف لبنان، لكن رياض سلامة يبقى ممن المسؤولين الأساسيين عن الأزمة، ولا بد من محاسبته، بغضّ النظر إن تمت محاسبة غيره أم لا.
وكانت الطبقة السياسية، منذ زمن، قد خلقت مصطلح "الاستنسابية" للهروب من العقاب، حيث لا يقبل أي زعيم أن يتم التحقيق معه ما لم يتم التحقيق مع غيره من الزعماء. هي "استنسابية" تطبق فقط على الرؤوس الكبيرة من زعماء وسياسيين، أما المواطن اللبناني، فلا يحق له أن يقول ممنوع أن تلاحقوني بجرم سرقة الكهرباء مثلاً، من دون أن تلاحقوا كل سارقي الكهرباء في البلد.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :