السويداء … بين مشيخة العقل ومشيخة السلطة!

السويداء … بين مشيخة العقل ومشيخة السلطة!

 

Telegram


 

إنّ تَفَهُّم هواجس الموحدين الدروز وحقوقهم الاجتماعية والسياسية، وتقديم التطمينات والضمانات الجدية لهم، ولكل مكونات الشعب السوري، عبر حوار وطني حقيقي وجاد، كان ضرورة سياسية ووطنية، نجم عن عدم أخذها بجدية، وعدم تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية، كل ما حدث في السويداء، وما حدث من قبل في الساحل السوري، حيث تجاوزت السلطة الحاكمة الحدود المسموحة للدولة في حق احتكار القوة واستعمالها لإنفاذ القانون وقمع التمرد والعصيان المسلح، والتي وصلت إلى حد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والأعمال الانتقامية، الأمر الذي يستوجب تحقيقاً صارماً ومُراقباً، وتطبيقاً سريعاً للعدالة، مع إنفاذ مبدأ عدم الإفلات من العقاب على الجميع، واستعجال الانتصاف القضائي لكل صاحب حق، وجبر الضرر لكل ضحايا الانتهاكات.
إضافة إلى غياب الثقة عند شريحة كبيرة من أبناء الشعب السوري، والتي تعززت بخيبة الأمل في الإعلان الدستوري، الذي تشي مواده باحتكار السلطة، وتآكل أهداف الثورة التي على رأسها الدولة المدنية الديمقراطية، والإحساس بالتوجس والقلق من المآلات السياسية لبوادر نزعة الإدارة التسلطية، وغياب الشفافية، التي يتوجب على السلطة الحاكمة معالجتها في أسرع وقت.
ولكن ردود الفعل في السويداء اليوم، التي وصلت عند البعض إلى حد الارتماء في حضن الكيان الصهيوني والمطالبة بالانفصال، ليس سببها الوحيد عدم تفهم مشيخة السلطة لهواجس مشيخة العقل، وإنّما ثمة سببان جوهريان آخران :
ـ الأول يتعلق بمشكلة بنيوية وتنظيمية داخل مجتمع الموحدين الدروز ومشيخة العقل .
ـ والثاني يتعلق بتصديق وقبول رسائل إسرائيل والغرب رغم وضوح ما تخفيه من مخططات تفتيتية لسوريا باستخدام ورقة الأقليات، وهذا جزء من استراتيجية أمريكية بريطانية إسرائيلية تهدف إلى تمكين الأقليات في المنطقة، وتشجيعهم للمطالبة بكيانات سياسية مستقلة، مما يقدم حجة قوية للتدخل الغربي في شؤون هذه الدول لحماية الأقليات. (1)
أمّا المشكلة التنظيمية والبنيوية في المجتمع الدرزي فهي أنّ السويداء لم تكن في يوم من الأيام تُدار سياسياً من قبل مشايخ العقل، فعلى أقل تقدير منذ مطلع القرن الثامن عشر، وعلى مدى ثلاثة قرون، وعبر كل ما تعرض له الدروز من حملات وحروب، وما قاموا به من انتفاضات وثورات، إنما كان ذلك بقيادة سياسية مدنية، منذ أن تزعم الجبل فعلياً آل حمدان 1711/ 1760 تقريباً، وبرز منهم ” يحيى الحمدان ” بمواجهة حملات إبراهيم باشا بين عامي 1837-1838، وانتهاءً بوصول الزعامة إلى بيت الأطرش العام 1876، وكان أبرز رجالاتها الزعيم الوطني ” سلطان باشا الأطرش ” .
فيما بقيت القيادة الدينية داعمة للقيادة السياسية، وتمارس بشكل أساسي سلطة أبويّة رعائية تعنى بالمصالح الدينية وشؤون الطائفة العامّة، دون المشاركة في أمور السياسة المباشرة، إلى أن استأثر بالسلطتين الدينية والسياسية الشيخ حكمت الهجري، الذي التزم الحياد الحذر في الثورة السورية، ورفع سقف نزعته الاستقلالية، ورفض السلطة الحالية، وصولاً إلى استعداء نتنياهو على الوطن السوري والدعوة إلى الانفصال …؟!
وعلينا أن نقرر حقيقة واقعة أنّ نزعة الاستقلال السياسي والإداري، وعدم الرضوخ لأي سلطة خارجية، ليست نزعة جديدة عند الدروز، ولكن الجديد هو أن الذي يتعامل مع هذه النزعة اليوم، وما يرافقها من ظروف سياسية حرجة، هو رجل الدين وليس رجل السياسة الذي يتمتع عادة بقدر أكبر من المرونة في استيعاب ومعالجة المواقف الحرجة، وإدراك أكثر وضوحاً للمآلات وحجم الخسائر المحتملة، ومعرفة الممكن، وفهم خطر المساس بالوطنية كمفهوم أخلاقي، وربطها بالهوية والكرامة، وهذا ما ساهم بصنع مجد الدروز وليست العمامة الدينية التي نكن لها كل الاحترام، كما جاء على لسان شيخ العقال ” أبو علي يوسف بردويل ” عندما قال لبشير الشهابي الكبير متحدياً بعد أن رفع عمامته ووضعها إلى جانبه :
( يابشير .. ها أنذا أمامك بدون العمامة، فافعل ما تشاء، فالكرامة ليست للعمامة..! ) وقد أراد أنّ الكرامة للموقف! (2)
موقف الرجل الذي عبرت عنه ساحة الكرامة في السويداء عام 2023 عندما ساهمت النخب الثقافية والسياسية وبعض العقّال بإشعال نار الثورة التي كادت أن تخمد في أنحاء سورية.
نعم الكرامة التي تجلت أيضاً في موقف المرأة الدرزية والتي كانت رائدته منتهى الأطرش ابنة سلطان باشا الأطرش، التي لم تذعن لموقف الحياد الحذر من الثورة عندما كانت من أوائل الذين أعلنوا موقفهم الصريح المناصر لثورة السوريين المطالبين بالكرامة، ثم مالبثت أن لحقت بها الكثير من حرائر السويداء.
فيما اعتبرت المعارضة السورية أنّ سلطان باشا الأطرش رمز للثورة ، وذاكرة وطنية وإرث حي بتاريخه، ووصيته التي ذَكّرَ فيها : أنّ الدين لله والوطن للجميع، وأنّ الاستقلال أمانة في أعناق كل السوريين.
فليستعيد الدروز قراءة وصية سلطان باشا الأطرش، ولتأخذ النخب الثقافية والسياسية والمدنية دورها في حماية قيم الموحدين الدروز وتاريخهم الطويل، ولنتحد من أجل بناء سورية الحديثة دولة للمواطنة والقانون، ولنجعل ساحة الكرامة في السويداء ساحة لكل السوريين، مثلما بقية ساحات سوريا، ولنهتف متحدين تحت ظل علم واحد هو علم سوريا الحرة.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram