ميقاتي يفكر بالبديل: العونيون يحمون سلامة بتعنّتهم وشعبويتهم

ميقاتي يفكر بالبديل: العونيون يحمون سلامة بتعنّتهم وشعبويتهم

 

Telegram

 

لا يمكن فصل التطوّرات الأخيرة في ملف رياض سلامة القضائي، وتحديدًا تلك المتعلّقة بإرسال دوريّات أمن الدولة لإحضاره، عن الظروف السياسيّة الضاغطة على الرجل محليًّا. بل يمكن القول أن إصدار مذكرة الإحضار، بقرار من القاضية غادة عون، جاء على وقع تحوّلات سياسيّة بالغة الأهميّة، زادت من انكشاف سلامة وقلّلت من فرص صموده، وفتحت شهيّة العهد على استهدافه بهذا النوع من القرارات، الصادرة عن القاضية العونيّة الهوى والمرجعيّة. وليتم تذليل الصورة بتوقيع العهد الصريح، كان التنفيذ عبر جهاز أمن الدولة، الملتصق بالعهد وأذرعه القضائيّة والسياسيّة.

في كل الحالات، ما دفع العهد للتجرّؤ على الذهاب بعيدًا بهذه الخطوة، لم يكن سوى ظهور علامات التردّد على حماة سلامة في النظام السياسي والجهاز القضائي في ما يخص الغطاء الممنوح للحاكم، وتحديدًا من جهة تشكيكهم بقدرتهم على حماية سلامة حتّى نهاية ولايته، وتداولهم بالخطّة "ب" التي تلحظ إقالة الرجل. أمّا المفارقة الكبرى، فهي أن آخر ما يحمي سلامة اليوم هو أداء العونيين أنفسهم في هذا الملف، وتحديدًا عبر تعنّت العهد وإصراره على استبدال سلامة بأحد رجالاته، وهو ما يدفع أقطاب الحكم الآخرين للتريّث قبل إسقاط الحماية كليًّا عن سلامة.

بهذا الشكل، يستمر العهد بعراضاته القضائيّة الإعلاميّة الفارغة في وجه الحاكم، على أعتاب الانتخابات النيابيّة، فيما تستمر مقاربته المتعنّته بحماية الحاكم من سيناريوهات الإقالة والمحاكمة. في واقع الأمر، قد يكون ما يجري اليوم هو بالتحديد ما يريده باسيل من هذا الملف: إبقاؤه مساحة للاستثمار الشعبوي والانتخابي، على أيدي قضاة العهد وأجهزته الأمنيّة، إلّا في حال موافقة الجميع على استبدال سلامة بمصرفي عوني الهوى والمرجعيّة، وهو ما لن يحصل أبدًا.

ميقاتي وعويدات مترددان
خلال الأيام الماضية، بدا أن ثمّة ما بدأ يتغيّر في موقف ميقاتي وعويدات من ملف رياض سلامة. النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات أبلغ ميقاتي أن معطيات الملف الموجود في لبنان، بحوزة القاضي جان طنّوس، باتت دسمة بما فيه الكفاية، وطلبات التعاون القضائي الأوروبيّة صارت أكثر دقّة وأكثر ضغطًا باتجاه رفع السريّة المصرفيّة عن حسابات سلامة وشقيقه والشركات المعنيّة بملفات التحقيق. كرة ثلج التحقيقات في لبنان والخارج تكبر، والضغط القضائي الأوروبي يكبر، وكلفة التمنّع عن التعاون مع التحقيقات الأوروبيّة صارت أكبر على مصداقيّة القضاء اللبناني.

بإمكان عويدات شراء الوقت ببعض الخطوات الرمزيّة، من قبيل إرسال إنذارات للمصارف الممتنعة عن تسليم داتا الحسابات المعنيّة بالتحقيقات المحليّة والأوروبيّة، لكن مماطلة السلطتين التنفيذيّة والقضائيّة إزاء هذا التمرّد المصرفي أصبحت مشبوهة، ناهيك عن تواطؤ السلطة النقديّة من خلال هيئة التحقيق الخاصّة في مصرف لبنان.

عويدات رمى الكرة في ملعب ميقاتي: لن يحمل وحده بصفته النائب العام لمحكمة التمييز كلفة حماية الحاكم، خصوصًا أن أعين المجتمع الدولي مفتوحة جيّدًا على القضاء اللبناني، وتحديدًا من جهة ترصّد استقلاليّته وربط هذه الاستقلاليّة بالشروط الإصلاحيّة المطلوبة من لبنان. وبمعزل عن طلبات التعاون الأوروبيّة، المرتبطة بداتا المصارف المتمرّدة، لم يعد من المنطقي غض النظر عن ارتكابات بحجم تلك التي ظهرت في ملف سلامة الموجود لدى القاضي طنّوس. عويدات أبلغ ميقاتي أنّ المتوفّر في هذا الملف كاف للادعاء على سلامة محليًا، وما ينقصه هو الضوء الأخضر من رئيس الحكومة. فإمّا أن يتحمّل الرجلان معًا كلفة الاستمرار بحماية الحاكم، وإما أن يخوضا معًا مغامرة الادعاء عليه. أمّا الأكيد فهو أن عويدات لن يحمل منفردًا مسؤوليّة أي من الخيارين.

طوال الفترة السابقة، كان ميقاتي يتسلّح بمعادلة وحيدة: إقالة سلامة أو الادعاء عليه تعني استقالتي. وهذه المعادلة أبلغها رئيس الحكومة إلى كل من يعنيهم الأمر: من عويدات إلى حزب الله وصولًا إلى شركائه في حماية سلامة، برّي وجنبلاط. لكنّ للمرّة الأولى، وبعد تسلّم ميقاتي هذه المعطيات الصريحة من عويدات، بات رئيس الحكومة أكثر مرونة في تناول مسألة استبدال سلامة، وسقطت من التداول معادلة استقالته في حال الإطاحة بسلامة. من غير المعروف ما إذا كانت معطيات عويدات هي ما دفع ميقاتي لإبداء هذه المرونة خلال الأيام الماضية، أو إذا ما كان هناك "همسات باريسيّة" أخرى أبلغته أن كلفة الإصرار على إبقاء سلامة قد تكون كبيرة خلال المرحلة المقبلة، بالنظر إلى ما يُحضّر له في المحاكم الأوروبيّة. في الحالتين، بدأ ميقاتي يتردّد في ما يخص سلامة، وهذا أهم ما في الموضوع.

العهد يريد أحد أزلامه في الحاكميّة
هكذا انفتح ميقاتي على مناقشة البدائل، من دون أن يسقط الحماية التي يمنحها حاليًّا لرياض سلامة. بمعنى آخر، وإن لم يقلها ميقاتي صراحةً، صار استبدال سلامة مربوطًا بالبديل المطروح. بعض المصادر تشير إلى أن فريق عمل رئيس الحكومة طرح إسم جهاد أزعور على رئيس الجمهوريّة، كما طرح بعض الأسماء الأخرى التي لا تستفز القوى السياسيّة المحليّة بانتمائها العوني الفج، والتي يمكن أن تتمتّع بقبول ما على المستوى الدولي، لكن عون رفض جميع هذه المقترحات. في النتيجة، اقتنع ميقاتي أن ما يريده عون فعلًا هو تعيين أحد أزلام العهد في حاكميّة مصرف لبنان، وهو ما لن يحظى حكمًا بقبول معظم القوى السياسيّة المشاركة في الحكومة. عاد ميقاتي إلى تحفّظه على فكرة إقالة سلامة، لكن بعد أن أبدى ما يكفي من التردد في مسألة الحماية المطلقة التي منحها إلى الحاكم، وهو ما أطلق عنان التصعيد الذي قامت به غادة عون.

في النتيجة، ما يحمي رياض سلامة اليوم ليس نظافة كفّه ولا صوابيّة سياساته النقديّة في مصرف لبنان، كما لا تحميه حكمًا أي خطّة يحملها للمعالجة الماليّة أو النقديّة. ما يحميه بالفعل هو الأسلوب العوني في التعامل مع ملفّه، والذي جعل من معركة الإطاحة بالحاكم موضوع استقطاب سياسي محلّي، بعد أن صار إسقاط سلامة يعني محاولة عون وضع اليد على حاكميّة مصرف لبنان. وما يحميه فعلًا هو تحويل العونيين ملف الحاكم إلى عنوان بازار انتخابي شعبوي، بدل أن أن يكون موضوع تحقيق قضائي دقيق يمكن أن يحقق بعض العدالة للمودعين. بمعنى آخر، من يحمي سلامة هو عون.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram