7 دول تلاحق سلامة:سويسرا أحرص من لبنان على أمواله؟

7 دول تلاحق سلامة:سويسرا أحرص من لبنان على أمواله؟

 

Telegram

 

على مدى ثلاثة أيّام متعاقبة، اجتمع في باريس الأسبوع الماضي محققون قضائيّون من سبع دول أجنبيّة مختلفة، لتبادل المعطيات وطلبات المعلومات المتعلّقة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في محاولة لتتبع أملاكه المنقولة وغير المنقولة والتحويلات التي قام بها بين هذه الدول. وكمن يجمع قطع أحجية "البازل"، عمل المحققون طوال الأيّام الثلاثة على جمع المعلومات الماليّة المتوفّرة وربطها وتحليلها، لتكوين صورة شاملة عن العمليّات التي قام بها سلامة بين الدول السبع. وحده المعني الأوّل بالملف، أي لبنان، غاب كليًّا عن المؤتمر، الذي نظمته وكالة "يوروجاست" التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي تُعنى بتنسيق التعاون الدولي حول القضايا الجنائيّة.

ذرائع غياب لبنان

تغييب لبنان عن المؤتمر الأسبوع الماضي، وبقرار متعمّد من النائب العام التمييزي غسّان عويدات، فوّت على القضاء اللبناني فرصة تلقي المعطيات المتوفّرة لدى المحققين الأجانب، واستلام طلبات المعلومات من قبلهم، ما سيترك أثره حكمًا على تحقيقات القاضي جان طنّوس الذي يتابع الجانب المتعلّق بلبنان من هذا الملف. مع الإشارة إلى أنّ الذرائع التي تم تقديمها لإلغاء مشاركة لبنان في المؤتمر لا تبرّر تغييب البلاد عن استحقاق مفصلي بهذا الحجم، ما يوحي بأن الغاية الفعليّة من الامتناع عن المشاركة في المؤتمر لم تكن سوى حماية سلامة من تبادل المعلومات، الذي كان يمكن أن يتم هناك بين القضاء اللبناني والمحققين الأجانب.

ورغم محاولة الفصل بين التحقيقات اللبنانيّة والأجنبيّة، تبرز طلبات التعاون السويسريّة الأخيرة كتحدٍّ أساسي أمام حماة سلامة المحليين، خصوصًا أن مضامين هذه الطلبات توحي بأن التحقيق السويسري قطع أشواط طويلة خلال الفترة الماضية، في فهم طبيعة التحويلات التي قام بها سلامة ومصادرها. وبعد أن اتسمت طلبات التعاون بالعموميّة في بدايات التحقيق منذ عام، باتت الطلبات الأخيرة خلال الأسابيع الماضية تنطوي على استفسارات ذات طابع تقني محدد وواضح الأهداف، ما يشير إلى تقدّم التحقيقات ونجاحها في جمع معلومات قادرة على إدانة الرجل. في خلاصة الأمر، بدت سويسرا في هذا الملف أقرب لصورة "أمّ الصبي"، الحريصة على مال لبنان العام أكثر من قيادته السياسيّة، المنكبّة على الضغط لحماية حاكم مصرف لبنان من التحقيقات الأجنبيّة.

عويدات وحماية سلامة من التحقيقات الأجنبيّة

في بداية الأسبوع الماضي، كان المفترض أن تقلع الطائرة التي تقل القاضي جان طنّوس للمشاركة في المؤتمر القضائي في باريس، بوصفه القاضي المكلّف بهذا الملف من الجانب اللبناني. مع العلم أن طنّوس نفسه مثّل الجانب اللبناني –وبهذه الصفة- في مؤتمر مماثل تم عقده في شهر تشرين الأوّل الماضي، وبمشاركة الأطراف نفسها، فيما نُقل عن عويدات يومها امتعاضه من حجم المعلومات الكبير الذي شاركه طنّوس مع المحققين الأجانب.

هذه المرّة، ارتأى عويدات –وقبل يومين فقط من انعقاد المؤتمر- إضافة إسم القاضي رجا حاموش، ليمثّل الجانب اللبناني إلى جانب القاضي طنّوس، وهو ما أثار حفيظة وكالة "يوروجاست" صاحبة الدعوة، التي طلبت من عويدات سحب إسم حاموش من الوفد. وهكذا، قرر عويدات اعتبار خطوة "يوروجاست" بمثابة إساءة للقضاء اللبناني، وبالتالي إلغاء مشاركة لبنان في المؤتمر. وقبل ساعات من إقلاع الطائرة التي كان يفترض أن تقل الوفد اللبناني باتجاه المؤتمر، تم إبلاغ طنّوس بضرورة إلغاء رحلته والبقاء في بيروت، ما فوّت عليه فرصة ضم معطيات التحقيقات الأوروبيّة إلى تحقيقه المحلّي.

مصادر قضائيّة متابعة للملف تشير إلى أن رفض الجانب الأوروبي لحضور حاموش كان متوقّعًا، خصوصًا أن الزج بإسمه جاء في اللحظات الأخيرة قبل المؤتمر، في حين أن حاموش لا تربطه أي صلة بملف تحقيقات رياض سلامة، بخلاف طنّوس الذي يمسك هذا الملف من الجانب اللبناني منذ البداية. ولهذا السبب، كان من الواضح أن عويدات أراد منذ البداية إمّا افتعال خلاف يُفضي إلى إلغاء مشاركة الوفد اللبناني في حال رفض "يوروجاست" حضور حاموش (كما حصل)، أو تكبيل مشاركة القاضي طنّوس بقاضي آخر منتدب من قبل عويدات شخصيًّا في الوفد اللبناني، في حال موافقة "يوروجاست" على طلب اللحظات الأخيرة. مع الإشارة إلى أن تحفّظات عويدات السابقة على انفتاح طنّوس للتعاون مع المحققين الأجانب، دلّت على أنّ الهدف الأساسي من إضافة حاموش إلى الوفد هو حصر نطاق المعلومات التي سيشاركها طنّوس مع المحققين الأجانب قدر الإمكان، إذا تمكّن عويدات من تمرير إسمه في الوفد.

في المحصّلة، كان لبنان –بوصفه المعني الأوّل بالأموال التي يجري تعقّبها- الخاسر الأبرز من عدم المشاركة في المؤتمر. أما عويدات، فتمكّن من شراء الوقت لمصلحة حاكم مصرف لبنان، الذي استفاد من تأخير مشاركة معطيات التحقيق المحلّي مع المحققين الأجانب، والحؤول دون تسليم المعطيات المستجدة في الخارج للقضاء اللبناني.

سويسرا تشدد الخناق

في مقابل تملّص القضاء اللبناني من الانفتاح على التحقيقات الأوروبيّة، تتوسّع سويسرا تتدريجيًّا في تحقيقاتها التي أفضت حتّى اللحظة إلى تجميد أصول سلامة في سويسرا وألمانيا ولوكسمبورغ. آخر المعطيات التي تكونت في الملف السويسري تدل على أن التحويلات –وبخلاف إدعاءات سلامة الأخيرة- نتجت عن عمولات مرتبطة بعمليّات الاكتتاب بسندات الدين العام، وهي عمولات تمكّنت شركة فوري المملوكة من شقيق سلامة من تحقيقها نتيجة عقد "وساطة" منحها إياه المصرف المركزي، لتسويق سندات الدين وبيعها للمصارف اللبنانيّة. مع العلم أن المصرف المركزي يملك –حسب القانون- صلاحيّة إدارة عمليّات الاكتتاب بسندات الدين التي تصدرها الجمهوريّة اللبنانيّة، وهو ما سمح لسلامة بتمرير عقد الوساطة هذا بإسم المصرف المركزي.

وبهذا الصفة، تمكّنت "فوري" من جني مئات ملايين الدولارات التي خرجت إلى المصارف السويسريّة على دفعات، فيما تم تحويل جزء من هذه العمولات إلى حسابات رياض سلامة الشخصيّة في الخارج، ما يؤكّد علاقته بفوري كمستفيد مباشر من نشاطها المالي. وبين العامين 2002 و2014، تمكّن سلامة وشقيقه من حصد نحو 326 مليون دولار، نتيجة هذا النمط من العمليّات التي استفادت –وإن وبشكل غير مباشر- من الأموال العامّة، عبر جني ما يشبه "الخوّات" على اكتتابات المصارف بسندات الدين العام.

آخر طلبات التعاون السويسريّة شملت طلب تدقيق مفصّل في آليّات عمل مصرف لبنان، وطريقة اتخاذ القرارات والمصادقة على العقود التي يوقّعها الحاكم، لتأكيد الجانب المتعلّق بإساءة استعمال النفوذ في القصيّة. كما طلبت سويسرا تفاصيل العقد الموقّع ما بين مصرف لبنان وشركة فوري، وعقود الوساطة الموقّعة ما بين فوري والمصارف اللبنانيّة، بالإضافة إلى كشوفات حساب الشركة وشقيقه، بما يظهر حجم العمولات التي تلقتها الشركة من المصارف أولًا، وتلك التي تم تحويلها إلى حسابات شقيق الحاكم ثانيًا. بالإضافة كل ذلك، طلب الجانب السويسري كشوفات من مصرف لبنان تظهر تفاصيل عمليّات الاكتتاب بسندات الدين العام، لمطابقتها مع حجم العمولات التي تمكنت شركة "فوري" من الحصول عليها من هذه الاكتتابات.

سويسرا أم الصبي

في كل هذه الأحداث، بدا القضاء اللبناني مكبلًا بالاستقطاب السياسي حول ارتكابات حاكم مصرف لبنان، فيما بدت سويسرا وكأنها "أم الصبي" المعنيّة مباشرةً بالأموال المختلسة. محلّيًا، ما زال الغطاء السياسي الذي يستفيد منه الحاكم يحول دون تقدّم القضاء في التحقيقات، من جهة الدخول في تفاصيل حركة الحسابات المعنيّة بهذا الملف، فيما يستفيد سلامة من موقعه وهيمنته على هيئة التحقيق الخاصّة للإطباق على هذه المعلومات تحت ستار السريّة المصرفيّة. أمّا في الخارج، فلا يبدو أنّ ثمّة مهرباً حتّى اللحظة من مضي المحققين الأجانب قدمًا في تتبع تحويلات سلامة عبر الدول، بينما سيكون على القضاء اللبناني التعامل مع طلبات التعاون الخارجيّة التي باتت طلباتها أكثر حزمًا ودقّة.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram