على هامش مؤتمر المناخ في غلاسكو في الأوّل من تشرين الثاني 2021، وفي لحظة احتدام خليجي تجاه لبنان بعد تصريحات وزير الإعلام (آنذاك) جورج قرداحي عن اليمن، التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الحكومة الكويتية صباح خالد الحمد الصباح في حضور وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح. وعلى أثر تلك اللقاءات، أعلن وزير الخارجية اللبنانية عبدالله بو حبيب عن مبادرة قطرية قيد التبلور لإعادة المياه مع الخليج إلى مجاريها. وهي مبادرة رُبطَت بلورتها باستقالة قرداحي التي كانت مطلب دول الخليج قبل الشروع بأي تفاوض مع لبنان أو إيفاد أي مبعوث في هذا الصدد، ما أدى إلى ألا تكتب أي حياة لمبادرة قطرية افتراضية وقتها.
اختراق ماكرون الموقوف
وقبيل جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخليجية في مطلع شهر كانون الأول، مارست فرنسا ضغوطًا على القوى السياسية اللبنانية المؤثرة لحث قرداحي على الاستقالة قبل لقاء ماكرون بولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وهذا ما حصل فعلاً مع تقديم قرداحي استقالته قبل قمة ماكرون- بن سلمان، وأدى ذلك إلى نوع من الخرق الإيجابي تُرجم باتصال هاتفي ثلاثي جمع بين ماكرون وبن سلمان وميقاتي.
ولدى مغادرته الرياض في ختام جولته الخليجية، قال ماكرون إنّ السعودية ولبنان يريدان الانخراط بشكل كامل من أجل إعادة تواصل العلاقة بين البلدين في أعقاب الخلاف الدبلوماسي الأخير. خرقٌ لم يتجاوز لحظته، على رغم سعي فرنسي حثيث لإشراك السعودية في تمويل مشاريع إنسانية وتربوية في لبنان، من دون بلوغ النتائج المرجوة حتى الآن، وعلى الرغم من تعدّد الوفود الفرنسية التي زارت السعودية بعد القمة.
غير أن الملفت في زيارة ماكرون كان البيان الفرنسي والسعودي المشترك الصادر في 4 كانون الأول، الذي شدد على "ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات".
بيان القمة الخليجية
في الرابع عشر من كانون الأول الفائت، ختمت الرياض سنة 2021 بقمة خليجية تبنّت "إعلان الرياض" المتضمن التأكيد على مندرجات قمة العلا. وفي ختام أعمال القمة، صدر بيان شدّد على ضرورة "بلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة، تخدم تطلعات وطموحات شعوب دول الخليج، وتجنب الدول الأعضاء الصراعات الإقليمية والدولية أو التدخل في شؤونها الداخلية"، مشددًا على أنّ "أمن دول المجلس كل لا يتجزأ". في ما يتعلّق بلبنان، طالب البيان لبنان بمنع حزب الله من ممارسة نشاطاته (الإرهابية). وقبل نهاية العام، في 26 كانون الثاني، نشر المتحدث باسم التحالف العربي تركي بن صالح المالكي لقطات فيديو خلال مؤتمر صحافي قال إنها "تؤكد تورط حزب الله اللبناني باليمن واستخدام مطار صنعاء لاستهداف السعودية، من دون أن يغفل التركيز على ملف تصدير المخدرات عبر لبنان.
وفي تحليل لأبعاد بيان قمة الرياض، فإنّه دلّ إلى أنّ جولة بن سلمان التي مهدت للقمة والبيان الختامي، أدّت مفعولها في توحيد الموقف الخليجي، ليس حول لبنان فحسب، بل حول القضايا الإقليمية وأهمها، بالنسبة إلى الخليج، التشدد ضد أذرع إيران الإقليمية من لبنان إلى سوريا فالعراق واليمن. أمّا اليوم، فتكثُر الإشارات التي توحي إلى اتفاق نووي وشيك، لكن من دون أن تتضمن بنوده أي كلام عن أذرع إيرانية أو صواريخ دقيقة أو نفوذ إيراني إقليمي وما شاكل.
الورقة الخليجية
في ظل ما تقدم، وفي تعبير أولي عن سياسة خارجية موحدة لمجلس التعاون الخليجي، زار وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح العاصمة بيروت البست في 22 كانون الثاني، حاملًا مذكرة خليجية تتطابق مع البيان الختامي لقمة ماكرون-بن سلمان تطابقًا تامًا ببنودها الـ12، ما يدل بوضوح إلى تبنّي باريس الورقة الكويتية ودعمها وجهة النظر السعودية التي باتت خليجية بعد قمة الرياض. وهنا، يصعب أن نتصوّر أنّ الولايات المتحدة الأميركية تقف ضد تلك المذكرة أو تعترض على أيّ من بنودها.
تتضمن الورقة الكويتية نقطتيْن أساسيتيْن: القرار 1559 الذي يدعو إلى نزع سلاح حزب الله أولاً، وتورّط الحزب في حرب اليمن ثانياً. وتذهب المذكرة الخليجية بعيداً في مطالبها، إذ تنص على وضع إطار زمني محدد لتنفيذ القرار 1559 الصادر في العام 2004. أمّا على صعيد حرب اليمن، فتدعو إلى وقف تدخل حزب الله في الشؤون الخليجية بشكل خاص والشؤون العربية بشكل عام، والتعهد بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضد دول مجلس التعاون. ونظراً إلى أبعادهما الإقليمية وارتباطهما الوثيق بالسياسية الخليجية المتبعة في لبنان خلال السنوات الأخيرة، يمكن اعتبار هاتيْن النقطتيْن جوهريتيْن، حيث تأتي النقاط العشر المتبقية كإطار لهما.
الرد اللبناني
في الشكل، اعتبر وزير خارجية الكويت أن الرد اللبناني إيجابي وأن هذا الرد قيد الدرس وأكد أن الورقة هي خليجية ودولية وقد كان لبنان قد أكَّد احترامه القرارات الدولية لكن من دون ذكر القرار 1559، وفي الشيفرة اللبنانية ثمة فارق بين الاحترام والالتزام، كما والتزمت الحكومة اللبنانية النأي بالنفس قولًا وفعلًا. وهنا تتحدث أوساط ديبلوماسية عربية عن "النأي بالنفس الذي ابتدعته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011، وكانت نتيجته تدخل أطراف عدة مشاركة في الوزارة في الحرب السورية من دون أي تأثير حكومي على قراراتها".
نحن إذن أمام ترحيب بالشكل و معضلة في المضمون لن تجد حلًا سريعًا ولا تسوية في القريب العاجل، فهي الحرب بين الخليج وإيران تقاد فوق كل الساحات وربما بكل الوسائل المتاحة وأهمها لبنان وحزب الله فيه وفي الإقليم، حيث يرغب الخليجيون إثبات عدة نقاط:
اولًا، عجز النخبة الحاكمة اللبنانية عن التأثير على قرارات حزب الله.
ثانيًا، تحكم الحزب عينه بمفاصل الحكم التي بلغت أخيرًا وضع جدول أعمال مجلس الوزراء بعد المقاطعة الشيعية الحكومة والتي دامت أشهر ثلاث.
ثالثًا، عدم قدرة أي قوة أمنية لبنانية على منع تهريب المخدرات المصنعة بين لبنان وسوريا.
رابعًا، إقناع القوى الدولية الداعمة لإجراء الانتخابات بعدم جدواها مهما كانت النتائج، أي حتى ولو فازت أغلبية مطلقة مناوئة لحزب الله.
خامسًا، وهذا الأهم، تبرير عدم تقديم أي دعم مالي خليجي للبنان الحالي بقيادته السياسية، في انتظار تبدل موازين القوى أو في انتظار عودة التوازن الإقليمي بعد اتفاق فيينا.. إذا ما عاد هذا التوازن.
نسخ الرابط :