ينطبق على رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري وصف "الإحتجاز"، هذه المرّة، "الإحتجاز" سياسيٌ وليس جسدياً، بمعنى أن رئيس تيار "المستقبل" أضحى أسير النزعة الفردية لديه، أسير المواعيد التي يطرحها للعودة إلى بيروت.
عملياً، سعد الحريري يحتجز نفسه بنفسه، ليس هذا فقط! أضحى الرجل أسير الحركة، أسير الجو السياسي، ولجم نفسه عنه، أسير اللغة والخطاب الذي سيطلّ فيه على "البيارتة" والسُنّة عامةً حين يُقرّر العودة إلى بيروت، وحتى الموعد المفترض لهذه العودة، بات أسير التناقضات، وها هو الموعد قد طار إلى نهاية الشهر الجاري إن لم يكن أبعد!
ثمة من يستغرب توالي الحريري على ردّ نفسه عن العودة إلى بيروت رغم دهم المواعيد، من حسم موقفه وخياراته في الإنتخابات النيابية إلى استحقاق إحياء الذكرى الـ17 لاغتيال والده والتي تحلّ هذا الموسم بشكلٍ مختلف، طالما أن "الشقيق اللدود" يُسخّن ويحمّي. هناك من يطرح فرضيات و يتكهّن حول الأسباب، ويربطها تارةً بغياب موافقات سياسية عن الجهات الراعية حالياً لسعد الحريري، وطوراً إلى "تأشيرة عبور" سعودية مُنتظرة وغالباً "لن تأتي"، فيصبح الخاسر الأكبر هنا هو سعد الحريري.
حسابياً، ثمة اعتقادٌ بات يغلب على المقارّ السياسية، بأن الانتخابات العامة باتت في دائرة الخطر، عطفاً على حالة البرودة في التعاطي معها. تبعاً لذلك، لماذا يستعجل الحريري في العودة إلى بيروت، وبحث "موضع" الإنتخابات ما دام أن شيئاً ليس محسوماً بعد؟ في مقابل ذلك، ثمة خللٌ ناشىء يعتري عملية العودة من أساسها. ويقال في هذا الإطار أن هناك من رسم "خطاً" أمام الحريري بيّن مستوى حدود لعبه السياسي والذي كما يبدو لن يتعدّى "الإنتشار" أبعد من بيت الوسط، بمعنى أوضح، إتاحة اللعب ضمن حدود تيار "المستقبل" فقط، على اعتبار أن باقي الجغرافيا وإن أظهرت طبيعة الإحصاءات الحالية بقاءها ضمن رقعة التيّار "قلباً وقالباً"، لكنها محرّمة عليه ومفتوحة على الخوض في مرحلةٍ إنتقالية يبتغيها الرعاة السابقون لسعد الحريري. عملاً بذلك، ستشهد "الواحة السنّية" حالةً من التخبّط السياسي منذ الآن وإلى ما بعد الإنتخابات النيابية المقبلة، ولعلّ حركة الوجوه السياسية السنية كافة ضمن هذا المجال توحي بذلك.
والحريري هنا، يفهم ما يُركّب له ولا يبدو أنه مقتنعٌ به أو أنه مستعدٌ للإلتزام به وبتسليم الراية، بدليل التسريبات المتكرّرة عن "المستقبل" بأن "الرئيس" يجهّز ويحضّر أوراقه جيداً للعودة، والتحضير في هذا المقام ينمّ عن شيء من المواجهة التي يرتّبها "سعد"، وهذه المرّة لن تكون محصورةً بأبعد من الجغرافيا السنّية، بل إن هذه الأخيرة ستكون في غمرة الأحداث، وثمة من يشبّه من داخل تيار "المستقبل"، العودة المتوقعة لسعد الحريري بتلك التي أُنجزت عام 2017 عقب استقالته من الرياض، فعاد وامتطى شرفة بيت الوسط من مقام القوي، وأمام الآلاف من أنصاره الذين زحفوا لاستقباله ردّدَ قائلاً: "هذه لحظةٌ للتاريخ والجغرافيا والذي لديه عيون ترى فلير، والذي لديه أذنٌ تسمع فلتسمع.." فهل يُستعاد المشهد عام 2022؟
ليس سراً أن كثراً من داخل "المستقبل" وخارجه يراهنون على تلك اللحظة، ولو أن قسماً منهم لا يقاسم أو يُشاطر الحريري التحالف السياسي أو القبول المطلق بموافقه. من هؤلاء، الثنائي الشيعي، الذي لا يرى حتى الآن بديلاً شرعياً وسياسياً عن سعد الحريري عند طائفته. تتوالى الظنون وتذهب صوب خشيةٍ يبدو أنها تعتري "الثنائي"، من المستقبل السياسي للطائفة. صحيحٌ أن "حزب الله" كجزءٍ من "الثنائي"، على خصومةٍ سياسية الآن مع الحريري، لكن الحزب مثلاً ومن حيث الخشية على مستقبل العلاقات الإسلامية - الإسلامية في ضوء "البدلاء المقترحين" لرئيس " المستقبل"، لا يستحي في التشدد على وجوب بقاء سعد ورفض التعاطي مع غيره. هل قد يكلّف ذلك إنتاج نفس الموقف وتولّي ذات الموقف الذي تمّ تبنيّه خلال محنته عام 2017؟ لا جدل في الإجابة بنعم!
أنها وضعية شائكة كوضعية التركيبة اللبنانية الدقيقة بالضبط، والتي لا تقبل الإختزال أو القسمة. في الخلاصة، سيعود سعد الحريري. يشارك في الإنتخابات أم لا ، بحث آخر. الثابت حتى الساعة أن الموعد المبدئي للعودة مسجّل في أواخر الشهر الجاري أو مطلع الشهر المقبل، وعندها سيُفتح النقاش بطبيعة المشاركة في الإنتخابات على مصراعيه، وهذا إقرارٌ بأن المشاركة محسومة، تبقى طريقة التفسير والإعداد، من تجهيز الماكينة إلى تركيب اللوائح المعزولة بدورها عن وضعية سعد الحريري في الترشيح، وسواء ترشّح أم لا ، ستبقى الماكينة ومن ضمنها إختيار المرشحين الحزبيين والحلفاء وتركيب اللوائح وإدارة المعركة، تحت إشرافه وصولاً لرئاسة الكتلة النيابية، الموقع المحفوظ له.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :