تصدّرت الانتخابات النيابية إهتمام الرأي العام وأحاديث الصالونات السياسية والاجتماعات، وسرقت الأضواء من أمام الانتخابات البلدية، حيث يتزامن الاستحقاقان معاً وتشكل الأخيرة "بروفة" تقاس على أساسها نتائج الأولى وتنسج التحالفات وتدق أبواب المفاتيح الانتخابية.
بين فرضية حصول الانتخابات في موعدها مهما كان الثمن، وتأجليها لأسباب لا يعلمها الا الطبقة السياسية، نسائم باردة وأخرى حارّة تلفح ديناميكية التحركات على الأرض في بعلبك الهرمل تحضيراً للاستحقاق، وفيما تنشط التحليلات والآراء والاستنتاجات واستطلاعات الرأي لترفع الحواصل الانتخابية تارةً وتُنجح لوائح ومرشحين تارةً أخرى، لا تزال الصورة هنا غير مكتملة المعالم.
تنهمك القوى والأحزاب في التحضير لمعركة أيار المقبل، وتجري جوجلةً عامة لخططها وتحالفاتها، فيما تغيب تلك التحضيرات عن الانتخابات البلدية، فالمعركة اليوم للوصول الى البرلمان هي سياسية بإمتياز، أما المعركة بين العائلات والعشائر داخل البلدات فهي لتكريس زعامة محلية، والخيارات السياسية والشعارات على المستوى الوطني، وتوازن القوى وموازين الربح والخسارة تقف عند أعتاب مصالح وحضور العائلات وأفخاذها.
اعتادت الأحزاب خوض معاركها للوصول الى البرلمان بواسطة العائلات، فيما تتنافس الاخيرة على المجالس المحلية وانماء بلداتها ومناطقها، لتبقى المفارقة في استقواء الأحزاب بالعائلات للفوز، واستخدام العائلات النفوذ الحزبي للتأثير في الرأي المحلي داخل البلدة، وما بين تلك المفارقات نرى مناصري الحزب الواحد منقسمين على أنفسهم ولكلٍ منهم خياره في التصويت للائحة دون أخرى في الانتخابات البلدية، وتنسحب تلك المعارضة على العائلة الواحدة.
يتغلب الرابط العائلي على الرابط الحزبي في الانتخابات البلدية، وتتقدم مصلحة العائلة على ما عداها من مصالح، فالأحزاب التي تتحالف في الانتخابات النيابية تتنافس وجهاً لوجه في البلدية، وتشهد بعض البلدات تحالفاً لعائلات وأحزاب معارضة بوجه الأحزاب المسيطرة والفاعلة في المنطقة كما حدث في مدينة بعلبك عام 2016عندما تحالف تيار "المستقبل" مع عائلات بعلبكية بوجه لائحة "حزب الله" التي فازت بفارق ليس بكبير.
يتعاطى الكثيرون مع الانتخابات البلدية على أنها مؤجلة، وعليه، لا حركة تشهدها البلدات والقرى في البقاع الشمالي، ولا اجتماعات وتحضيرات تجرى بانتظار بلورة الأمور خلال الاسابيع المقبلة، ويرتاح معظم الرؤساء الحاليين للمجالس البلدية لتوجه كهذا كون مدة ولايتهم ستزيد أشهراً وربما سنة، فيما يفتح باب الخلافات كون الرئاسة ونيابتها تم تقسيمهما الى ولايتين ( مدة كل ولاية ثلاث سنوات)، وأحياناً الى ثلاث ولايات وهي صيغة ابتكرها "حزب الله" في عدد من البلدات التي فاز بها بوجه رؤساء وبلديات مكثت لعدة دورات متتالية.
أكثر من 110 بلديات على امتداد محافظة بعلبك الهرمل لا تزال مياهها الانتخابية راكدة ولم تحرك ساكناً، العدد الأكبر منها محسوب على "حزب الله" نظراً للتركيبة الطائفية للمنطقة، وتتوزع الأخرى بين بلدات مسيحية وأخرى سنية، وتتداخل الطوائف مع بعضها جميعاً في عدد من البلدات كدورس وجديدة الفاكهة ومجدلون.
دخل "حزب الله" معترك الانتخابات البلدية بقوة عام 2016وخاض معاركها بكل ما أوتي من زخمٍ، خلافاً للدورات السابقة، فهي إحدى السبل لخدمة أهل المنطقة وفق رؤيته ويجب أن تكون تحت كنفه، وكان أنشأ منذ سنوات جمعية العمل البلدي التي تضم تحت لوائها البلديات التي تدور في فلكه، وعمل على أن تكون هذه البلديات نموذجاً في الإنماء عكس ما كانت عليه عندما تسلمها أشخاص أو عائلات ليثبت نجاحه في تسلمها، وكرّس سيطرته على بعضها واختار رؤساء المجالس البلدية بنفسه، ووزعها حيناً بين العائلات وأحياناً بين الأشخاص لإرضائهم، فكانت رئاسة البلدية أو الاتحادات وسيلةً لارضاء العائلات الناقمة على الحزب لعدم ضمها الى النادي النيابي في المنطقة، ففاز بالقسم الأكبر منها وبقي قرار أخرى بيد العائلات وأبنائها، وعليه تنأى جميع الأطراف بنفسها عن التحرك واعلان الاستعدادات لحين وضوح الرؤية.
أما في البلدات ذات الطابع السني فلا حركة تذكر. فالتوافق حكم بعضها منذ عدة دورات واختارت مجالسها من دون معارك، والبعض الآخر في حال انتظار، وحدها عرسال البلدة السنية الأكبر ستكون الحدث، فالمعركة فيها كل دورة تزداد شراسة، وسيكون لهذا الاستحقاق طعمٌ آخر بعد خروج رئيس البلدية السابق علي الحجيري (أبو عجينة) الذي يحظى بشعبية كبيرة شاهدها الجميع خلال استقباله منذ أيام وحمله على الأكتاف، مترافقةً مع استياء وتذمر من البلدية الحالية.
وعلى الساحة المسيحية الأمور على حالها في بلدات دير الأحمر ومحيطها المحسوبة سياسياً على "القوات" وتشهد توافقاً بينها وبين العائلات، لتبقى العين على البلدات التي تشهد تداخلاً طائفياً، وتتقاسم الطوائف الأعضاء مناصفة أو بحسب عدد ناخبيها، أو يتولى رئاستها مسيحي، فنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة وتبيان المزاج الشعبي المسيحي في تلك البلدات يدفع باتجاه معركة ضارية قد تكلف سحب الرئاسة أو تخفيض عدد الأعضاء، خلافاً للعرف المتبع وكون القانون لا يلحظ ذلك.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :