خلطت أحداث 17 تشرين، وما تلاها من محطات سياسية داخلية او خارجية، الاوراق أمام أحزاب السلطة التي بادرت في المرحلة الاولى الى صد ضربات الشارع والحد من الخسائر السياسية التي مُنيت بها، قبل أن تنتقل في المرحلة الثانية الى الهجوم ضد قوى ومجموعات "ثورية" لتفريغها من الداخل واظهارها على أنها مجرد أدوات يستعملها البعض.
كان نجم المرحلة الثانية من قوى السلطة التيار الوطني الحر الذي اتبع سياسة التصويب على الهدف، عبر مهاجمته بشكل مباشر من خلال الضخ الاعلامي وتجنيد مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الامر، بهدف تعرية القوات اللبنانية انتقاماً منها على تجيير صوت الشارع باتجاه فريق واحد وتحديداً التيار ورئيسه جبران باسيل وكيل الاتهامات ضده.
دخل أكثر من طرف على خط الهجوم على باسيل من قوى في المجتمع المدني الى احزاب حليفة له وصولاً الى بعض المحسوبين على حزب الله، وكان باسيل يراهن على انقلاب الموازين الاقليمية والدولية ليسدد ضربته بوجه هؤلاء، ولكنه فشل بحسب خصومه لأن حليفه حزب الله بقي على مسافة واحدة من جميع الأطراف، ما شجع الخصوم على رفع سقف المواجهة بوجه باسيل الذي حولها بدوره الى لعبة حصص طائفية لصالحه يرفع من خلالها رصيده داخل التيار وتحديداً الفئة المترددة أو المعترضة على بعض القرارات التي يتخذها.
ومع وصولنا الى الاستحقاق الانتخابي، يبدو باسيل أكثر تشدداً على مواجهة هذه المعركة بكل أسلحته، وهذا الامر لا يرتبط بكرسي الرئاسة الأولى، بل بعوامل كثيرة يريد الرجل من خلالها تثبيت زعامته على قسم من المسيحيين بعد أن استكمل "تطهير" التيار من المعارضين الشرسين له، على أن يستكمل المعركة بتكريس تياره السياسي على الساحة المسيحية كقوة تنافس الاحزاب الراسخة في عقول اللبنانيين كحزبي القوات والكتائب. هذه المهمة جند لها باسيل كل طاقاته، سعياً منه الى تمتين دور الهيئات في المناطق وتدريبها لتكون جاهزة في الاستحقاق المقبل، على ان تكون انطلاقته نتائج الانتخابات النيابية والاحجام التي ستفرزها، اذ أن التيار بالمفهوم المؤسساتي الذي يريده باسيل لم يكتمل بعد، والمسألة تتعلق هنا بالظروف التي نشأ عبرها والغاية التي كانت مرسومة له حين كان في صفوف المعارضة يردد الهتافات الداعية الى اسقاط النظام الامني اللبناني السوري، أما الظروف الحالية فتغيرت واستوجبت برأي باسيل تثبيت الحزب كقوة غير تقليدية على الساحة المسيحية ومن دون الاعتماد على السلطة، كما يتهمه البعض.
أول طلقة لإعلان حرب تثبيت التيار على الارض، هي فوز باسيل في الانتخابات النيابية وفي البترون تحديداً، حيث يراهن الخصوم، ولا سيما القوات اللبنانية، على اسقاط الرجل في الانتخابات وتسديد ضربة مؤلمة لمستقبل التيار في البترون وامتداداً الى المناطق الاخرى، فمعركة اسقاط باسيل تُعد أولوية غالبية التيارات السياسية التي لا تخفي في السر والعلن هذا الامر. ولكن ثمة من يردد أن باسيل قد يلجأ الى خطوة استباقية، يحذو من خلالها حذو القادة الآخرين كسليمان فرنجية وسمير جعجع ووليد جنبلاط، فيترك الساحة النيابية لنواب جدد من التيار ويتفرد هو لمعركة تثبيت التيار في قلب المعادلة، تحضيراً لمستقبل سياسي يعمل عليه باسيل منذ سنوات ولا يختصره، كما يقول، بعض المقربين من الرجل بكرسي رئاسي أو بمقعد نيابي، بل يتعلق بمشروع كامل لبناء دولة تُحاكي تطلعات الجيل الجديد.
باسيل الذي تسبقه الشائعات يمكن برأي البعض أن يلجأ الى كسروان ليترشح عن مقعد "الجنرال" الذي ذهب فيما بعد الى العميد شامل روكز، ولهذا المقعد رمزية خاصة في عقل التيار وباسيل أولى بخلافته. ولكن كل ذلك يبقى مجرد اشاعات أو توقعات الى أن يفرج باسيل في الاشهر المقبلة عن توجهاته الانتخابية، وما إذا كان سيدخل الندوة البرلمانية عبر مواجهة شرسة في الدائرة الرئاسية الشمالية، وهذه المرة من دون تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، وبعض الاصوات التي حضنت الرجل قبل ثورة 17 تشرين، أم أنه سيعتذر عن النيابة كما فعل قبله رئيس القوات والمردة والاشتراكي ليعطي وقته لمشاكل التيار وهموم المتسلّقين على خشبته؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :