عمر خيرت: المؤلف المتمرد الذي ترك الموسيقى تحكي
منذ أيام قليلة فقط، احتفل الموسيقار المصري عمر خيرت بعيد ميلاده السابع والسبعين. لكن محبيه تلقوا الاثنين خبراً عن تعرضه لوعكة صحية ونقله إلى المستشفى.
استطاع خيرت أن يكسب جمهوراً واسعاً في مصر والدول العربية، رغم اختلافه موسيقياً منذ بداياته عن الأنماط السائدة في العالم العربي، ورغم تقديمه مقطوعات موسيقية من دون كلام. وترك بصمة فريدة في الموسيقى الكلاسيكية العربية المعاصرة، يستطيع المستمع من خلالها تمييز أسلوبه وألحانه.
قد تكون الأعمال الدرامية والسينمائية الناجحة التي ألف موسيقاها عاملاً مهماً في تعلق الجمهور بأعماله، وأبرزها "ليلة القبض على فاطمة" (1984)، و"قضية عم أحمد" (1985)، و"البخيل وأنا" (1990). لكن ألحانه لم تتوقف عند زمن عرض هذه الأعمال، إذ ما تزال حفلاته تمتلىء بجمهور يمثل أكثر من جيل وأكثر من ذوق.
ولا تزال موسيقاه تتردد بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، لتكتشفها الأجيال الجديدة بمعزل عن معرفتها بالأعمال الدرامية والسينمائية المصرية التي حملت توقيعه.
أما بداياته في الموسيقى فكانت مختلفة تماماً، ولا تعكس الصورة التي تعرف بها الجمهور لاحقاً على الموسيقار عمر خيرت.
ولد عمر خيرت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1948 في منطقة السيدة زينب بالقاهرة، في شارع يحمل اسم عائلته، "شارع خيرت"، حيث يقع منزل جده محمود خيرت.
كان محمود خيرت محامياً وأديباً وفناناً، كما وصفه عمر في لقاء تلفزيوني جمعه بالموسيقار عمار الشريعي. وكان منزل الجد بمثابة ملتقى للأدباء والفنانين، من بينهم سيد درويش ومصطفى لطفي المنفلوطي.
وشهد هذا المنزل، بحسب رواية والده علي خيرت، أول لقاء جمع بين محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، حيث أديا معاً مقطعاً من أحد أعمال سيد درويش.
في هذا البيت أيضاً تعلم والده علي خيرت وأشقاؤه الثلاثة الموسيقى، وأسسوا فرقة موسيقية عزفت في العهد الملكي. وكان من بين أعضائها عمه أبو بكر خيرت (1910 - 1963)، المهندس المعماري والموسيقار المعروف.
شارك أبو بكر خيرت في تأسيس المعهد العالي للموسيقى (الكونسرفاتوار)، وأسهم في تصميمه هندسياً. وينسب إليه الفضل في إدخال الأغنية الشعبية المصرية إلى السياق السمفوني.
وسط هذا المحيط، بدأ عمر خيرت محاولاته الأولى على آلة البيانو في سن الخامسة. وقال في أحد لقاءاته الإعلامية إنه كان الوحيد بين إخوته الذي كان يلازم عمه أبو بكر أثناء عزفه، وإنه كان يعتبره قدوته في الاتجاه الموسيقي الذي اختاره لاحقاً.
التحق عمر عام 1959 بأول دفعة من الطلاب في المعهد العالي للموسيقى، وتابع دراسته في النظريات الموسيقية بالمراسلة في كلية ترينيتي بلندن.
الانقلاب الأول
يستخدم خيرت عبارة "العسكرية" عند حديثه عن الدراسة الأكاديمية للموسيقى، في إشارة إلى الصرامة والانضباط داخل المعهد.
كانت لديه رغبة في العزف على آلة الدرامز أثناء دراسته، لكن ذلك كان مستحيلاً في ظلّ وجود عمه أبو بكر داخل المعهد العالي للموسيقى. يقول: "لو فعلت ذلك لطردني من البيت أيضاً". ويروي في لقائه مع عمار الشريعي عام 2011 كيف وجد نفسه في مسار مختلف بعد وفاة عمه.
حققخيرت رغبته في العزف على الدرامز، وفي عام 1967 أسس مع صديقه الفنان الراحل عزت أبو عوف فرقة "القطط الصغيرة Les Petits Chats".
كانت الفرقة تؤدي موسيقى الجاز والروك وأغانٍ عاطفية باللغة الإنجليزية، وانسجمت مع أجواء الستينيات. ذكرت مجلة "سين نويز" أن انطلاقة الفرقة تزامنت مع حرب 1967.
لاحقاً عمر خيرت الفرقة عام 1971 ليتفرغ من جديد لمشروعه الموسيقي.
فاتن حمامة تقترب من البيانو
تعرف الجمهور على موسيقى عمر خيرت عبر الشاشتين الصغيرة والكبيرة، في أعمال درامية وسينمائية تركت أثراً واضحاً في ذاكرة المصريين والعرب، خصوصاً في الثمانينيات والتسعينيات.
يعود الفضل في هذا المسار، كما يروي خيرت، إلى لقاء غير متوقع جمعه بالممثلة الراحلة فاتن حمامة. كان ذلك حين دعي إلى حفلة خاصة في أحد الفنادق، وكانت "سيدة الشاشة العربية" بين الحاضرين. عزف خيرت مقطعاً مرتجلاً على البيانو، فتقدمت منه وتحدثت معه عن عزفه، وسألته لماذا لا يقدم عملاً خاصاً به، وكان حينها في بداياته مع التأليف الموسيقي.
بعد فترة قصيرة تلقى اتصالاً منها تطلب مشاركته في وضع الموسيقى لمسلسل إذاعي بعنوان "قطرات الندى". أما أشهر أعماله، مقطوعة "فاطمة"، فكانت أول موسيقاه التصويرية للسينما، في فيلم "ليلة القبض على فاطمة" (1984) من بطولة فاتن حمامة. كما عمل على تأليف موسيقى مسلسل "ضمير أبلة حكمت" (1991).
ومن الأعمال المعروفة التي ألفها موسيقى فيلم "قضية عم أحمد" (1985) من بطولة فريد شوقي، وموسيقى مسلسل "البخيل وأنا" (1990) الذي قدمه شوقي كذلك.
ألف خيرت موسيقى أعمال لنجوم من أجيال مختلفة، بينهم عادل إمام، فاروق الفيشاوي، نبيلة عبيد، يسرا، نجلاء فتحي، أحمد السقا، وأحمد حلمي. وشارك في فيلم "سكوت هنصور" عام 2001 ليوسف شاهين، بعد أول تعاون بينهما في فيلم "اليوم السادس" (1986) من بطولة داليدا.
ويعدّ عمر خيرت من أبرز مؤلفي الموسيقى التصويرية في مصر، إلى جانب أسماء مثل هاني شنودة وراجح داوود وعمار الشريعي.
الموسيقى تحكي
كتب عمر خيرت على موقعه في صفحة التعريف بمسيرته الموسيقية عبارة: "عندما تعجز الكلمات عن التعبير، الموسيقى تحكي".
حافظ خيرت على خياره في التأليف لموسيقى بلا كلمات. وعندما يتفاعل معه الجمهور أثناء أدائه لمقطوعاته في الحفلات، يظهر وكأنه يحفظ كل نغمة عن ظهر قلب. وقليلون من أبناء جيله ما زالوا قادرين على جمع هذا العدد من المستمعين للاستماع إلى مقطوعات موسيقية لا إلى أغنيات.
يظهر في البحث عن أعماله على منصات التواصل الاجتماعي عدد كبير من المقاطع لفرق أوركسترا غربية وموسيقيين أوروبيين يعيدون عزف مقطوعاته، ما يعكس انتشارها خارج العالم العربي.
استفاد عمر خيرت من دراسته الأكاديمية، ومن البيئة الموسيقية في منزله، ومن تجاربه في الستينيات وعزفه للدرامز، ليحوّل كل ذلك إلى لغة خاصة في التأليف. وإلى جانب أعمال الشاشة، أصدر مجموعات موسيقية مستقلة بينها "غوايش" و"رابسودي عربية" وغيرها، ويضم بعضها أعماله التي قدّمها للسينما والدراما.
قال عنه عمار الشريعي إنه "الصاروخ الذي انطلق بهدف وحيد، هو الدفع بموسيقانا سنوات طويلة إلى الأمام". ونقل الشريعي عن محمد عبد الوهاب أن خيرت هو الموسيقي الأقرب إلى قلبه وعقله.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي