في مشهد يعكس عمق الأزمة الإدارية التي تعيشها مؤسسات الدولة اللبنانية، تلقّى عدد من سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، الذين تهدّمت منازلهم خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، فواتير كهرباء صادرة عن مؤسسة كهرباء لبنان عن شهر تشرين الثاني وكانون الأول 2024.
هذه الفواتير، التي وصلت إلى عناوين منازل لم تعد صالحة للسكن أصلاً، فجّرت موجة غضب واستنكار شعبي، معتبرين أن ما حدث يتجاوز حدود الخطأ الفردي إلى مستوى “العبث الإداري” أو “اللامبالاة تجاه معاناة الناس”.
بين الدمار والفواتير: مأساة مزدوجة
يقول أحد الأهالي من سكان حي الليلكي: “منزلنا تهدّم بالكامل، لا عداد، لا أسلاك، ولا حتى باب… ومع ذلك وصلتني فاتورة بقيمة 50 دولار! كيف يمكن تفسير ذلك؟”.
ويروي حسين من سكان برج البراجنة، وقد بدا عليه الاستياء الشديد، أنّه تلقّى فاتورة كهرباء بقيمة 129 دولاراً، رغم أنّ منزله غير صالح للسكن، بعدما تضرّر بشكل كبير جرّاء العدوان الاسرائيلي.
ويقول حسين بأسى: “البيت مهدّم من الداخل، الجدران متشققة، الأسلاك مقطوعة، ولا أحد يسكنه منذ الحادثة. ومع ذلك، فوجئت بفاتورة وكأننا نعيش فيه بشكل طبيعي ونستهلك الكهرباء يوميًا!”.
وأضاف أنّه “حاول مراجعة مركز مؤسسة كهرباء لبنان في المنطقة للاستفسار، إلا أنّه لم يتلق جواباً واضحاً، إذ قيل له إنّ النظام يصدر الفواتير تلقائياً بناءً على آخر قراءة مسجّلة للعداد قبل الانقطاع، من دون الأخذ بالاعتبار واقع المنزل أو حالته الفعلية”.
وقال حسين بغضب:هذه ليست مجرد غلطة تقنية، هل من المقبول أن تُرسل فواتير لمنازل مهدّمة لا يسكنها أحد. كيف يُعقل أن يُحتسب استهلاك كهرباء في منزل بلا تيار ولا عداد فعّال؟”.
وأكد أنّ “هذه التجربة ليست فردية، بل يعيشها عدد كبير من الأهالي في الأحياء المتضررة، الذين تسلّموا فواتير متفاوتة القيمة بالدولار، رغم أنّ مساكنهم فارغة منذ شهور، واصفاً ما جرى بأنّه إهانة إضافية للمواطنين الذين خسروا كل شيء، إذ بدل أن يجدوا تفهّمًا وتعاطفًا من الجهات الرسمية، يتلقون مطالبات مالية تُعمّق جراحهم”.
وقال: “نحن لا نطلب تعويضات، ولا كهرباء مجانية، فقط العدالة والمنطق. لا يمكن مطالبتنا بالدفع عن منازل لا حياة فيها”.
في المريجة، اشتكى سكان مجمع سكني من محضر ضبط سطّر بحقهم، بعد أن قصف العدو الإسرائيلي، محوّل الكهرباء المركزي، ولم يشفع لهم تقديم طلب لكهرباء لبنان بإعادة مد شبكة الكهرباء.
إدارة الكهرباء تبرّر!
مصدر داخل مؤسسة كهرباء لبنان، رفض الكشف عن اسمه، أوضح لموقع “الجريدة” أن إصدار الفواتير يتم حاليًا وفق قاعدة بيانات العدادات المسجلة، ما لم يقدم إشعار رسمي بتعطّل العداد أو توقف الاشتراك”.
غير أن على الدولة أن تسجل المناطق المنكوبة، والأبنية المهدمة بالتعاون مع البلديات، إلا أن هذا الأمر يطرح سؤالاً هاماً، المسألة ليست بفاتورة تسجل رسم الإشتراك، بل إنها تتضمن عداد الصرف، من أين أتوا بها؟
وهذا ما يفتح الباب أمام ملف فساد أكبر، يتعلق بدقة الفواتير التي تطرق أبواب اللبنانيين، والتي تحتاج إلى رقابة أكثر من رقابة أصحاب المولدات.
في معظم الدول، يجمّد احتساب الفواتير تلقائياً فور تسجيل الضرر في المنطقة أو إعلان المباني غير صالحة للسكن، لكن في لبنان لا تزال الإجراءات مرتبطة بالأساليب الورقية القديمة، ما يؤدي إلى فواتير غير دقيقة وتصاعد شكاوى المواطنين.
تأتي هذه الظاهرة في وقت يرزح فيه اللبنانيون تحت ضغوط اقتصادية هائلة، مع فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 95% من قيمتها منذ 2019، وتراجع القدرة الشرائية إلى مستويات غير مسبوقة.
هذا الواقع يجعل أي مطالبة مالية إضافية، مثل الفواتير الصادرة عن منازل مهجورة أو مهدمة، عبئاً إضافياً على الأسر المتضررة. كما يخشى المواطنون من أن تتحوّل هذه الفواتير إلى ديون تراكمية تسجّل في حساباتهم لاحقًا، ما قد يؤدي إلى قطع خدمة الكهرباء عنهم في المستقبل، حتى بعد إعادة إعمار منازلهم وعودتهم للسكن.
هذه المشكلة لا تمثل فقط قصوراً تقنياً، بل تشكل عبئًا نفسيًا ومعنويًا إضافيًا على الأسر التي فقدت الكثير بالفعل.
مطالب الأهالي بإصلاحات فورية
الأهالي الذين ينوون تقديم شكاوى رسمية، يطالبون بـ:
– إلغاء جميع الفواتير الصادرة عن المنازل المهدمة أو غير القابلة للسكن.
– وقف الفوترة في المناطق المتضررة لحين إعادة التقييم الميداني.
– إجراء تحقيق داخلي في مؤسسة الكهرباء لمعرفة مصدر التقصير.
وحتى يحين موعد المحاسبة، يبقى اللبناني رهينة مغارة علي بابا في مؤسسة كهرباء لبنان، والتي تخطت الـ40 حرامي!
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :