البعد العقائدي: لماذا تتأخر عودة مستوطنات الشمال الإسرائيلي؟

البعد العقائدي: لماذا تتأخر عودة مستوطنات الشمال الإسرائيلي؟

 

Telegram

بالرغم من سعي الحكومة الإسرائيلية الحثيث الى إعادة سكان المستوطنات الشمالية على الحدود مع لبنان، تشير التقارير إلى تفاوت في العودة خاصة في المستوطنات على الحافة الأمامية مع لبنان التي يعاني سكانها من قلق وعدم رغبة بالعودة مقابل سكان الجليل الأعلى الأبعد عن الحدود اللبنانية الذين عادوا بوتيرة أسرع.

 

أولاً: تأخّر عودة مستوطنات الشمال

في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2024، وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة لإعادة إعمار الشمال بقيمة تقارب 15 مليار شيكل على مدى خمس سنوات. وفي كانون الأول/ديسمبر 2024 تمّت الموافقة على ميزانية محدّدة قدرها 200 مليون شيكل لإعادة تأهيل البنية التحتية العامة والتحضيرات لعودة السكان في شمال "إسرائيل".

 

ومؤخراً، في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2025 وافقت لجنة المالية بالكنيست على تحويل مبلغ 1.2 مليار شيكل لبرامج إعادة التأهيل والإنعاش الاقتصادي لتحفيز السكان على الاستقرار في الشمال. 

 

وفي تحليل لأسباب تأخّر العودة، يعيد البعض هذا الأمر الى تأخّر الحكومة الإسرائيلية في صرف الأموال، والبيروقراطية، وقلة الموظفين في لجان الشمال مقارنة بلجان الجنوب، الوضع الأمني، والسياسة الداخلية. واللافت، وبالرغم من تركيز المستوطنين على الوضع الأمني والقلق من ردّ حزب الله، والتأخير في إعادة الاعمار، فإنّ بعض الباحثين يتهمون اليمين المتطرّف بعدم الاهتمام برصد أموال لمستوطنات الشمال، بسبب البعد العقائدي الديني، ما يجعل وزارة المالية بقيادة بتسلئيل سموترتش تفضّل صرف الأموال لبناء المستوطنات في الضفة الغربية على حساب إعادة السكان الى الشمال.

 

ثانياً: الأسباب العقائدية

بالرغم من أنّ نتائج انتخابات عام 2022، أظهرت ميل الناخبين في المستوطنات الحدودية القريبة من لبنان الى معسكر اليمين (الليكود والأحزاب القومية/الدينية) بشكل قاطع، خاصة في الموشافات الزراعية (باستثناء بعض الكيبوتسات التي تُبدي تفضيلاً تاريخياً للوسط)، فإنّ البعد العقائدي-الديني للحكومة الإسرائيلية الحالية يجعل يهودا والسامرة (الضفة الغربية) تحظى بالأولوية على المناطق المحاذية للبنان (الجليل الأعلى والحدود الشمالية) في صرف الأموال، لأسباب عقائدية.

 

تاريخياً، رأت الصهيونية العلمانية (اليسارية) التي أسّست "إسرائيل" في الجليل والنقب "الأطراف الوطنية" التي يجب تعميـرها واستيطانها لتثبيت حدود "الدولة" وتوسيعها إلى أقصى حدّ، وبناء مجتمع متساوٍ يعتمد على العمل والزراعة. لكن مع صعود الصهيونية الدينية وسيطرة اليمين القومي-الديني، تحوّل مركز الثقل من الأطراف الجغرافية إلى القلب التوراتي، أي إلى يهودا والسامرة باعتبارها أرض الوعد والميثاق الإلهي.

 

وبات التيار الديني-القومي المسيطر في "إسرائيل" يرى أنّ الشرعية الصهيونية لا تأتي من الأمن أو الاقتصاد، بل من الحق التوراتي في أرض الآباء.

 

وبالرغم من إيمان هؤلاء بـ "إسرائيل الكبرى" وضرورة الاستيطان في لبنان، فإن "يهودا والسامرة" تعتبر قلب "إسرائيل" الروحي والتاريخي، أما الجليل والنقب فهما هوامش مدنية لا تحمل بعداً قدسياً. لذلك، فإنّ المستوطن في بيت إيل أو الخليل يُعتبر "حارساً للعهد"، بينما المزارع في كريات شمونة أو شلومي يبقى مجرّد "مواطن حدودي". حتى في الخطاب الرسمي، يتم وصف المستوطنين في الضفة بأنهم "الطليعة الصهيونية"، بينما لا يُستخدم هذا الوصف لسكان كريات شمونة أو المطلة.

 

ثالثاً: سياسة حكومة اليمين المتطرّف

بوصول الحكومة اليمينية-المتشدّدة برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حصلت إعادة تعريف "الخط الأمامي"، بحيث لم يعد الخط الحدودي مع لبنان أو غزة هو "الجبهة"، بل التلال المطلة على نابلس والخليل التي يجب الاستيلاء عليها، ويتمّ التأكيد أنّ التراجع عنها، يعني انكساراً روحياً. 

 

وانطلاقاً مما سبق، تمّ التركيز على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وتعزيز التعليم الديني والبنية التحتية هناك، بينما تأخّر تمويل وإعادة إعمار بلدات الشمال التي تضرّرت من الحرب، وذلك لأنّ إعادة إعمار القرى الشمالية لا تضيف بعداً روحياً دينياً.

 

ما سبق، إن دلّ على شيء فهو يدل على مؤشرات هامة في الفكر الذي يحكم "إسرائيل" حالياً، أبرزها:

 

أ- إنّ تبدّل مركز القداسة الدينية من الجليل والنقب إلى التلال في الضفة، يؤدي الى تحوّل في معنى "الحدود" بحيث لم تعد خطوط الدفاع الأمنية هي الأهم، بل حدود الرواية الدينية، وبالتالي يصبح الاستيطان العقائدي أولوية، بينما الاستقرار الحدودي المدني مسألة ثانوية.

 

ب- انحسار الصهيونية العلمانية التي تسعى "لزيادة مساحة الدولة وتأسيس مشروع دولة مواطنين يزرعون ويحمون الأرض"، لتصبح "إسرائيل حالياً مشروع شعب يؤمن أنه ينفّذ إرادة إلهية في أرض الميعاد"، وبالتالي لا يعود السكن في الأطراف فعلاً وطنياً مقدّساً، بل يؤكّد أنّ "الاستيطان في الضفة الغربية هو فعل إيماني بتنفيذ عهد الله مع شعبه المختار".

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram