كيف أصبح الشعب السوداني ضحية جديدة لمشروع “إسرائيل الكبرى”؟

كيف أصبح الشعب السوداني ضحية جديدة لمشروع “إسرائيل الكبرى”؟

 

Telegram

ما حدث مؤخرًا في الفاشر من مجازر بشعة نفّذتها قوات الدعم السريع بعد السيطرة على كبرى مدن إقليم دارفور، يذكرنا ببصمات العدو الصهيوني في غزة، كما يذكرنا التعاطي الأميركي والدولي بنفس النفاق القائم على ادعاء الحياد والدعوة للتهدئة رغم تمرير المجازر ورغم السعي في جبهات أخرى لحصر السلاح بيد الدولة.

ولا شك أن هناك أخطاء مشتركة بين الأطراف المتصارعة حيث تنافست على التطبيع والتقرّب من العدو “الإسرائيلي” ظنًا أنه بوابة الشرعية الدولية، كما راهنت على إرضاء أميركا والخليج بإرسال القوات إلى اليمن لمحاربة المقاومة، ظنًا أن ذلك سيرفع العقوبات الدولية ويجلب الرخاء والتمويل للسودان، ولكن سيادة السودان ووحدة أراضيه تقتضي وجود سلطة واحدة وجيش قوي وعدم وجود ميليشيات تحارب حربًا أهلية لمصالح ذاتية ولخدمة أجندات صهيونية.
وهنا ينبغي تناول الوضع في السودان من زاوية الوضع الإقليمي والدولي في توقيت يُراد له أن يشهد تمكين أميركا والعدو “الإسرائيلي” من مشروع “إسرائيل الكبرى” وهو مشروع يستلزم تفتيتًا للدول العربية، كما يستلزم جبهات تعمل بشكل جيواستراتيجي لخدمة الكيان وحصار المقاومة، وذلك عبر العناوين الآتية:
1- خطورة الأحداث الأخيرة في الفاشر:
التموضع العسكري الجديد لقوات الدعم السريع في شمال دارفور، ينذر باتخاذه رأس جسر للهجوم على ولايات في عمق شمال ووسط البلاد تخضع حاليًا لسيطرة الجيش، كمحاولة لاجتياح كامل البلاد أو الركون لتسوية وتفاوض، وهو ما يثير الريبة بشأن خطط تقسيم السودان إلى إقليمين بحكومتين تتنازعان الشرعية في بلد واحد، على غرار ما حدث في ليبيا.
2- علاقة الحدث بالصراع على منطقة “الساحل والصحراء”:
ولا شك أن سيطرة ميليشيا موالية للكيان وأميركا على كامل السودان، أو النجاح في الوصول لوضع تقسيم السودان، سيكون فصلاً لإقليم دارفور وغرب السودان يضاف لفصل جنوب السودان وهو هدف أميركي و”إسرائيلي” للتفتيت من جهة، ولإقامة جبهة تعمل للصالح الصهيوني في منطقة استراتيجية لها أهمية كبرى وهي منطقة “الساحل والصحراء”، وهو اختراق له أهمية استراتيجية كبرى لفصل شمال أفريقيا عن جنوبها وجدانيًا وإنهاء حالة التعاطف التاريخية مع قضايا الأمة، ناهيك عن الصراع على الثروات الهائلة من الذهب واليورانيوم والنفط.
ولا شك أن توحيد جبهات ليبيا مع غرب السودان مع تشاد والتهديدات الأميركية الأخيرة لنيجيريا، كلها أمور تعطي وجاهة لهذا التوجه ومحاولة السيطرة الكاملة على خليج غينيا بما يعنيه من أهمية في الحرب التجارية وصراع الاستيلاء على المواقع الاستراتيجية البحرية.
3- حميدتي وحفتر ورئيس تشاد جبهة تخدم “إسرائيل” برعاية إماراتية:
واللافت وجود مشروع جيواستراتيجي واحد يجمع عدة أطراف في المنطقة، حيث يتم الدفع نحو التقسيم والفوضى ورعاية أطراف بعينها من ذات الجهة الإقليمية التي تبدو وكيلاً للمشروع الصهيوني.
وليس من المصادفات أن تكون قوات الدعم السريع التي شاركت في الحرب على اليمن وعلى مقاومتها قد حققت مكاسبها الأخيرة في السودان برعاية ودعم وتسليح إماراتي، وفي نفس الوقت تكون قوات خليفة حفتر مدعومة من الإمارات، وليس مصادفة أن يحدث تعاون بين حفتر وحميدتي في احتلال المثلث الحدودي مع مصر وهو المثلث المتهم “إسرائيليًا” بأنه طريق لتهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية.
وليس مصادفة تقارب الرئيس التشادي مع الكيان والزيارات المتبادلة والاتصالات الحميمة التي تم كشفها بين “إسرائيل” ونجل خليفة حفتر وذراعه اليمنى صدام حفتر، وكذلك لقاءات حميدتي مع رئيس “الموساد”، وتصريحات يوسف عزت المستشار السياسي للدعم السريع لقناة “كان” الصهيونية والتي قال فيها نصًا: “ما نتعرض له تعرضت له إسرائيل آلاف المرات من المجموعات الإرهابية مثل حماس والمنظمات الأخرى التي يعرفها الشعب الإسرائيلي جيدًا…!”
واللافت أن لقاء حميدتي مع رئيس “الموساد” السابق كان في أبو ظبي، كما أن الطائرة التي نقلت صدام حفتر إلى الكيان أقلعت من الإمارات، كما أن حميدتي يحتفظ بأمواله في الإمارات، وقبل نشوب الصراع مع الجيش السوداني بأربع سنوات، اشترى حميدتي 1,000 سيارة من الإمارات يمكن تحويلها إلى “عربات مسلحة” تحمل مدافع رشاشة. كما يقع مقر شركة عائلة “دقلو” التي اشترت تلك السيارات، وهي شركة “تراديف للتجارة العامة”، في الإمارات.
وبخصوص تشاد، عندما أعلنت إغلاق سفارتها في “إسرائيل”، خرجت الخارجية التشادية لتقول إن الأمر ليس قطيعة وإنما توفيرًا للميزانية وإن تشاد تنسق علاقاتها مع الكيان من خلال السفارة التشادية في أبو ظبي!
4- كيف تخدم هذه الجبهة “إسرائيل”؟
هذه الجبهة المكوّنة بالأساس من حميدتي وحفتر وصولًا إلى قلب أفريقيا تخدم الكيان الصهيوني عبر أوجه متعددة يمكن رصد بعضها:
أولاً- الولاء للكيان:
قوات حميدتي تجاوزت حدود السودان وأُرسلت فرقها للقتال في حرب اليمن. وقد أطلق حميدتي حملة دعاية عالمية لتحسين صورته، متعاقدًا مع شركة الضغط الكندية “ديكنز آند مادسون” بقيمة 6 ملايين دولار وهي الشركة التي عمل رئيسها، آري بن مناشي، ضابطًا سابقًا في الاستخبارات “الإسرائيلية”.
وقد صرح حميدتي في مقابلة تلفزيونية مطلع عام 2020 قائلًا “بصراحة نحن بحاجة إلى إسرائيل، ولسنا خائفين من أحد”، مشيدًا في اللقاء ذاته بـ”التطور الإسرائيلي”. ولم تمض سوى أشهر حتى انضم السودان إلى “اتفاقات إبراهيم” التي رعتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى، ليرفع على إثر ذلك اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وكذلك اتصالات حفتر ونجله مع الكيان تعد تمهيدًا للتطبيع واستقواء بالكيان وراعيه الأميركي وهو تكريس للدعاية الصهيونية بأنها القوة الكبرى ومصدر شرعية الأنظمة.
ثانيًا: تتبع خريطة تهريب السلاح وفقًا لمزاعم “إسرائيل”:
نشرت قناة “C14″ الصهيونية تقريرًا يسلط الضوء على ما وصفته بـ”التمدد الإيراني الخفي في القارة الإفريقية” عبر دعم حركة “حماس”، مشيرة إلى تحول ليبيا والسودان إلى محطات مركزية في شبكة تهريب السلاح إلى قطاع غزة، بمشاركة من أطراف داخل مصر.
وأشار التقرير إلى أن عناصر تابعة للحركة أعادت تنظيم صفوفها داخل ليبيا، وشرعت في استخدام أراضيها كنقطة انطلاق لنشاطات متعددة تشمل التخطيط لهجمات خارجية، وتجنيد شبكات دعم، وتنفيذ عمليات تهريب معقدة للأسلحة.
وأضافت القناة الصهيونية أن السودان يلعب دورًا تكميليًا بالغ الأهمية، إذ تستخدمه حماس كطريق بري لنقل العتاد العسكري باتجاه غزة.
وتتم عمليات التهريب بحسب الادعاءات “الإسرائيلية” عبر الحدود السودانية–المصرية، بدعم من خلايا موالية لإيران يقال إنها تعمل ضمن “أنظمة ظل” تنشط في الدولتين دون رقابة مركزية واضحة.
وبالتالي فإن تعاون هذه الميليشيات الموالية للصهاينة في السيطرة على المثلث الحدودي وعلى طرق وصول السلاح، هو عمل عسكري صهيوني بالوكالة لحصار المقاومة وسلاحها.
ثالثًا: تهجير أهالي غزة:
ليس غريبًا أن يتم العرض على جنوب السودان المنفصلة استضافة أهالي غزة بعد تهجيرهم، وهو ما لا يستبعد معه تقديم نفس العرض لدارفور إذا تم انفصالها أو إلى السودان بشكل عام إذا ما نجحت هذه القوات في السيطرة على كامل السودان.
وبخصوص ليبيا، فقد نشر موقع شبكة “سي إن إن” الأميركي مؤخرًا، عرض إدارة الرئيس دونالد ترامب على صدّام حفتر خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن ترحيل المهاجرين الفلسطينيين إلى ليبيا.
والخلاصة أن ما يحدث في الفاشر والسودان بوجه عام لا ينفصل عمّا يحدث في ليبيا ونيجيريا وفي المشرق العربي في سورية ولبنان وصولًا للعراق من محاولات لفرض حكومات موالية وعسكرة للميليشيات التي تخدم المصلحة الأميركية والصهيونية في إقامة “إسرائيل الكبرى” وهو ما لا يصلح معه التحليل بالقطعة أو النظرة الضيقة، ولكن يتطلب الرصد بمنظور استراتيجي للصورة الكاملة لتحديد استراتيجية مواجهة ملائمة لطبيعة أخطر مشروع تمر به الأمة ويهدف لابتلاعها.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram