بعد كلّ التوقّعات في أوساط أهالي الطلّاب، وحتّى الأساتذة، باستحالة بدء العام الدراسيّ المقبل وسط كلّ الأزمات التي يعاني منها البلد، من محروقات وكهرباء وغلاء معيشة وانعدام القدرة الشرائيّة لأغلب المواطنين، الذين باتت رواتبهم لا تكفي فاتورة اشتراك مولّد الكهرباء، جاء قرار وزارة التربية والتعليم العالي مخالفاً لها، بعدما أعلن الوزير طارق المجذوب خطط العودة حضوريّاً إلى المدارس، قبل حوالَى الأسبوعين من بدء العام الدراسيّ من دون أيّ حلول، قد يُقال إنّها وُضعت على سكّة التنفيذ إلّا ما أعلنه بنفسه عن تأمين الكتب المدرسيّة للمدارس الرسميّة مجّاناً، بعد اتفاق مع “اليونسيف” حول كتب المدارس الخاصّة، في خطوة من شأنها أنّ تخفّف عن كاهل الأهل جزءاً من التكاليف التي لا يُستهان بها.
مسألة العودة إلى المدارس شائكة ومعقّدة، والأهالي يعانون إرباكاً لا مثيل له، في النظر إلى الوقائع التي تُبيّن صعوبة تحقّق ذلك، فيما القرارات الرسمية تُتّخذ بعيداً منها. لكنّ مشكلة الأهل قد لا تكون في غلاء القرطاسيّة والكتب فقط، إنّما أيضاً في تكلفة التنقّل من وإلى المدارس، وفي قدراتهم على تأمين وصول أولادهم إليها.
وبما أنّ الوزارة وأغلب المدارس اتّخذت قرارها على الرّغم من إعلان الأساتذة إضرابهم المفتوح، كانت البداية من المكتبات، حيث يحاول الأهل أن يؤمّنوا لأولادهم الكتب والقرطاسيّة، التي باتت المشكلة الأولى التي واجهتهم، بعدما اطّلعوا على أسعارها الجنونية.
استطلعنا آراء بعض الأهالي وأحوالهم على أبواب العام الدراسيّ الجديد، فعبّروا عن خوف وقلق وتعب نفسيّ ممّا يواجهونه من صعوبات في تأمين مستلزمات أولادهم قبل عودتهم إلى المدرسة.
بعض تلك الكتب، لاسيّما الأجنبية منها، وصل ثمنها إلى أكثر من 500 ألف ليرة لبنانية، لأنّها غير مدعومة وغير مشمولة بأيّ تسعيرة رسميّة. تقول إحدى السيدات في معرض جوابها حول وجوب أن تنتظر إمكانيّة عقد اتفاق مع “اليونيسيف” لتأمين الكتب المجانيّة للمدارس الخاصة: “كأنّهم تأخّروا كثيراً”. وتضيف: “كيف سننتظر، ومدرسة أولادي تفتح أبوابها بعد 10 أيام. لقد تأخّرت الوزارة كثيراً لبدء البحث عن حلول، هذا إن طبّق شيء منها… لم يعد لنا ثقة بأحد… أنا اليوم أدفع ثمن كتب أولادي بالملايين، وفي الوقت عينه خائفة من عدم انطلاق العام الدراسيّ، فالمشكلات أكبر من ذلك بكثير”.
اللافت في الجولة، التي قامت بها “النهار” على بعض المكتبات واستطلاع رأي الأهالي، كان الإقبال الخفيف جدّاً على شراء الكتب على الرغم من اقتراب موعد فتح المدارس، وهذا ما أكّده أمين سرّ نقابة المكتبات جوزيف طعمة.
وفي حديث لـ”النهار”، لفت طعمة إلى أنّ “الأهالي مربكون، وأغلبهم غير قادر على تأمين تكاليف الكتب المرتفعة”، مؤكّداً أنّ المكتبات ليست الجهة المعنيّة بتسعير الكتب.
أمّا عن الحلول التي كان من المفترض أن تخفّف عن الأهالي ثمن الكتب والقرطاسيّة، فأشار إلى أنّ “الاتفاق الذي جرى بين وزارة الاقتصاد ونقابة الناشرين قضى بأن تكون الأسعار وفق الـ45 % من سعر صرف الدولار اليوميّ”، معتبراً أنّ هذه التسعيرة “لم تحلّ معضلة ارتفاع الأسعار” كما أنّها غير عادلة لارتباطها بسعر الصرف المتقلّب صعوداً ونزولاً، على اعتبار أنّ مَن يشتري أيّ كتاب اليوم بسعر معيّن قد يشتريه جاره بسعر أقلّ أو أعلى في اليوم التالي.
وفي الإطار نفسه، وجّهت النقابة كتاباً إلى وزارة الاقتصاد متمنّيةً عليها تثبيت السّعر خلال الموسم، إلّا أنّهم لم يتلقّوا جواباً حتى اللحظة.
وتعليقاً على ارتفاع أسعار الكتب، ذكّر طعمة بـ “المدارس التي تبيع الكتب في داخل حرمها ولا تلتزم بأيّ اتّفاق أو تسعيرة رسمية صادرة عن المعنيين، فهي تتسلّم الكتب مباشرة من دور النشر لا عبر المكتبات، وهذا العمل غير قانوني، لذلك نراها تضع أسعاراً كما يحلو لها”.
كذلك اعتبر أن أكثر ما يؤثّر في هذه الأسعار المختلفة، ولا يقدّم حلولاً فعليّة تساعد الأهالي وتخفّف من الأعباء عليهم، هو “التخبّط الحاصل بين الوزارات وعدم التنسيق الذي يُظهره الواقع بعكس ما يُعلنون، بعد أن أعلن وزير التربية منذ فترة أنه سيتمّ تسعير الكتاب على أساس الـ4000 ليرة للدولار الواحد، فيما قرار وزارة الاقتصاد جاء على أساس نسبة 45 % من سعر الصرف”.
في مقابل تلك الأمور اللوجستيّة، صرخة أهالي الطلاب كبيرة ووجعهم أكبر، وخوفهم على مستقبل أولادهم أثقل أعمارَهم.
المستشارة القانونيّة والمسؤولة الإعلامية في اتّحاد لجان الأهل في المدارس الخاصّة المحامية مايا جعارة، أكّدت أنّ “الأهالي خائفين ومربكين، وأغلبهم حتّى السّاعة متردّد في شراء الكتب والقرطاسية لأولاده؛ فقد لا يكون هناك عام دراسيّ بسبب الأزمة الاقتصادية، على الرغم من كلّ تلك الإعلانات الرسمية للعودة حضوريّاً، إلّا أنّ المعوّقات كبيرة وكثيرة”.
ولفتت في حديث لـ”النهار” إلى أنّ لجان الأهل عملت منذ نهاية العام الماضي على تبادل الكتب، وكلّ على طريقته، في محاولة لتخفيف الأعباء. وقد كان الإقبال على هذه الخطوة كبير جدّاً”.
وأضافت: ” أسعار الكتب خياليّة ومرعبة، حتى القرطاسية واللباس المدرسيّ أسعارها مخيفة، والأهالي يقفون مكبّلين أمام إمكانيّاتهم الماديّة الضعيفة”، معتبرةً أنَّه “كان على الوزارة أن تبدأ بالتخطيط وإيجاد الحلول في وقت مبكر، لأنّ الوقت داهمنا، وسط كلّ تلك المشاكل المتلاحقة التي يتعرّض لها البلد”.ّ
وعلى الرغم من صرخة الوجع التي حاولت جعارة إيصالها عن لسان الأهالي، فإنّها اعتبرت أنّ “العودة إلى المدارس بعد عامين من التعليم “أونلاين” أصبحت ضروريّة حرصاً على صحّة الطلاب النفسيّة، ومستواهم العمليّ”.
وتابعت: “لكنّ المعوّقات كبيرة، وأهمّها أزمة المحروقات لجهة تكلفة النقل، التي ستكون مرتفعة على الأهل والأساتذة، إضافة إلى التكلفة التشغيليّة في داخل المدارس من كهرباء وتدفئة”، مشدّدة على “ضرورة إيجاد حلول بأسرع وقت ممكن لانطلاق العام الدراسيّ، لاسيّما مسألة المحروقات عبر تأمين الدعم، لأنّ حلّ مشكلة أسعار الكتب ورواتب الأساتذة لا تعني شيئاً طالما الطلاب غير قادرين على الوصول إلى مدارسهم”.
وطالبت الجميع من “أهالٍ وأساتذة ومدارس بوجوب التكاتف والتضامن لبدء العام الدراسي، لعلّ الحلول تأتي في الطريق، ويتمكّن الطلاب من تسيير عامهم على خير”.
الأزمة لا تقتصر فقط على الكتب، فحيرة أهالي الطلاب تأتي بفعل كلّ تلك الأزمات المترابطة، كما أنّ الأسعار الخياليّة وعجزهم أمام أولادهم زاد الضغوطات عليهم، فيما المعنيّون يُصدرون قراراتهم من دون حلول منجزة. ووحده المجهول ينتظر انطلاق العالم الدراسي، ورفوف المكتبات الممتلئة بالكتب تتصارع مع الغبار بانتظار أن يتخّذ أحد قرار الشراء.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :