خلال أسبوع واحد طالعنا عدد من المسؤولين السياسيين اللبنانيين الذين يدعمون فكرة المفاوضات المباشرة مع “إسرائيل”، وهم النائب مارك ضو، والنائب مروان حمادة، والنائب سامي الجميّل، إضافة إلى جوقة جديدة تتنقل بين الشاشات والمنصات، باتوا يصرّحون عن موقفها الذي كان مُضمرًا حيال مفاوضات مباشرة وتطبيع و”اتفاقيّة سلام” ربما!
مقابل ذلك، نقلت أوساط صحفيّة أنه سبق للبنان أن خاض غمار التفاوض غير المباشر في تجربة ترسيم الحدود البحرية ووقف إطلاق النار الذي لم ينفذه الصهاينة في 27 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2024.
فلماذا كثُر الحديث مؤخرًا عن التطبيع والتفاوض المباشر؟ خاصة أن الضامن الأول، أيّ الأميركي، تنصّل من ضمانته في كلّ المراحل.
السرّ
يُعيد الباحث والمحلل السياسي غالب سرحان سرّ التأييد المُعلن للتطبيع على لسان سياسيين لبنانيين ومن بينهم نوّاب إلى وجود “انقسام عمودي بشأن القضايا الرئيسة والمصيرية في لبنان، كما هو واقع الحال، حول المقاومة وسورية وغيرهما”.
في حين يرى وزير الخارجية اللبناني الأسبق الدكتور عدنان منصور أن “التطبيع المُعلن على يد بعض السياسيين اللبنانيين، والذين يُنادون بهذا التطبيع أو يُباركونه، هو نتيجة السياسات التي ينتمون إليها، والتي يُنسقون عبرها مع الخارج، ومع الذين يعملون على التطبيع ويدعون إلى التطبيع”. ويصفهم منصور بـأنهم “يتناغمون مع السياسة “الإسرائيلية” والسياسة الأميركية في هذا المجال”.
أبعد من التفاوض
ويلحظ سرحان تنوّعًا بالأصوات بين دعاة التطبيع والتفاوض المباشر، مرجعًا ذلك إلى “انقسام المؤيدين للتطبيع ما بين داعٍ للتفاوض المباشر، وداعٍ للتفاوض غير المباشر، وذاهبٍ إلى ما هو أبعد من ذلك أيّ إلى التطبيع”.
ويصنّف موقفهم بالتالي “في كلّ الأحوال إنّ القاسم المشترك الذي يجمع هؤلاء هو التعليمات الخارجية الأميركية – الأوروبية والإقليمية من دول عربيّة لحجز مقعد لهم في قطار التسوية في حال انطلق”.
وهم واستعجال
وردًا على سؤال، يعتبر سرحان أن لا مجال لأيّة تسوية، “هو ما يبدو وهمًا حتّى الآن”، على العكس من العديد من المُحللين الذين يطلون على الشاشات العربيّة التي تنظّر للموضوع.
ويشدد على أن “البعض في الدولة اللبنانيّة مستعجل بحسب تعبير لمصدر في الثنائيّ الوطني”.
الفتنة
إذًا، هل هذا جسّ نبض للشارع أم تقديم أوراق اعتماد للأميركي؟ يجيب المُحلل السياسي اللبناني غالب سرحان بالقول “بالتأكيد هو تقديم أوراق اعتماد للأميركي، وليس مجرد جسّ نبض للشارع بقدر ما هو محاولة للإيقاع بين هذا الشارع المتشظي أصلًا أو الشوارع المتشظيّة وهي في حالة كمون للنار تحت الرماد ما يجعل طرح التفاوض إيغالًا في محاولات إيقاظ الفتنة لإشعال حرب أهليّة كون التفاوض نقطة خلافيّة – انقساميّة في أطياف النسيج اللبناني”.
نعيّ.. لكن أين التعازي؟
ومع ارتفاع نسبة الترويج لاتفاقية جديدة على غرار 17 أيار البائد يطرح السؤال التالي لدى كلّ مواطن لبناني خائف على لبنان: هل إن شكل المفاوضات المُزمع عقدها سيؤدي إلى تطبيع للعلاقات أم إلى اتفاقيّة سلام على غرار 17 أيار؟.
يكشف المحلل السياسي غالب سرحان أنه “لم يعد هناك مفاوضات بعدما نعاها الموفد الأميركي توم برّاك اليوم كما نقل عنه الرئيس نبيه بري بأنه “أبلغ لبنان بشكل رسمي أن المبادرة رفضتها “إسرائيل”، وبالتالي، لم يعد هناك من مسار دبلوماسي قائم”.
ولمزيد من التأكيد، يضيف سرحان “هذا ما أطلع بريّ حزب الله عليه مُسبقًا.
وكلّ ما تمّ تداوله عن موافقة الثنائي الوطني، وخصوصًا حزب الله، على مفاوضات غير مباشرة غير صحيح مطلقًا”.
إذًا كيف يعلق أصحاب الرأي الذين بدأوا يرسمون الخطط ويرصفون البنود؟ ومن الرادع لهذه الفئات التي تتلهى بقشور السياسة والبلاد في خطر والشعب يعيش على قلق كأن تحته النار؟
خرق للدستور
من جانبه، يعلق وزير الخارجية الأسبق عدنان منصور على التصريحات الداعية للتفاوض مع العدوّ فيشير إلى أن ما يطالبون به “بكل تأكيد يُشكّل خرقًا للدستور، ويتعارض مع روح الدستور ونصوصه، والقوانين الموضوعة بشأن العدوّ “الإسرائيلي” والتعامل مع “إسرائيل”.
فعندما يقوم سياسي أو مسؤول بالدعوة للتطبيع مع “إسرائيل” واقامة علاقات معها يُعاقب من خلال القوانين اللبنانيّة ويجب أن يُلاحق من القضاء اللبناني والدولة اللبنانية”.
رافضا مقولة “إن هذا جسّ نبض للشارع اللبناني مُطلقًا”، فاللبنانيون – برأيه – يعرفون جيدًا من هو العدو، ومن هو الصديق، ويتساءل: على أيّ أساس تحصل هذه الدعوة في ظلّ الاحتلال؟.
خاصة أن العدوّ لم يتوقف يومًا عن إبداء تطلعاته في التوّسع والاحتلال، والاعتداءات اليوميّة، ويضيف “ما حصل في لبنان وما حصل في سورية خير دليل على ذلك”.
وتعليقًا على ما يرد في الاعلام عن مفاوضات مباشرة، يؤكد منصور أن “المفاوضات التي تجري لا تصبّ في إطار إقامة علاقات أو تطبيع”.
ضغط دولي بأيدٍ لبنانيّة
وهذا بالطبع ما يؤكده الجانب اللبناني دومًا، وخاصّة بعد اجتماع كلّ من رئيسي الجمهورية والنوّاب لإعلان موقف من الطروحات التي ترد من جميع الجهات للضغط وللحصول على تنازلات تُفيد العدوّ لا البلد.
ويقفل سرحان الحديث بالتأكيد “لهذا لا يمكن إجراء مفاوضات، بمعزل عن شكلها، سواء مباشرة أم غير مباشرة، دون إجماع أو توافق سياسي لبناني، وهذا ما يبدو متعذرًا إن لم نقل مستحيلًا في الوضع الحالي والمدى المنظور فكيف بالتطبيع؟ سؤال طرحه سرحان على القارئ وعلى المُروجين لكافة أنواع العلاقات مع “إسرائيل”.
رفض عام
بالمقابل، يُشدد الدبلوماسي العريق عدنان منصور الذي مثّل لبنان في عدد من دول العالم على رفض الجانب اللبناني والشعب اللبناني الدعوات للتطبيع والتفاوض المباشر، لافتًا إلى أن كلّ المفاوضات (المُزمع عقدها) تصبّ في انسحاب الاحتلال من لبنان ووقف العدوان عليه”.
ختامًا، أين لبنان ومصيره الذي على المحك من مهاترات السياسيين والخصوم الذين ما برحوا يستعملون أساليبهم للتقليل من قوة لبنان ومقاومة شعبه؟ أين سياديتهم؟ أين وطنيتهم؟ أم أن الموجة الرجعية ترتفع مع ارتفاع أسهم العدوّ في المنطقة؟
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :