بين انخفاضٍ دراماتيكي، أو تصحيح، أو تقلبات مرتبطة بجني الأرباح، يتراوح سعر الذهب اليوم، ما يترك الباب مفتوحًا أمام احتمالات وشكوك حول اليوم التالي للمعدن الأصفر.
وفي هذا السياق، يتحدث المحلّل والأستاذ في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا الدكتور محيي الدين الشحيمي، عن “فقاعة” الذهب الخالصة، محذّرًا من المنافسة بين “الذهب الوهمي” و”الذهب الحقيقي”، والتي تشكّلت عبرها فجوة سعرية وكمّية تنذر بانفجار مرتقب، نتيجة اتساع الفجوة بين الذهب المادي والإلكتروني.
ويكشف الشحيمي، في حديثٍ لـ”ليبانون ديبايت”، أنّه “مقابل كل سبيكة أصلية، هناك أربع سبائك تداولية وهمية، فالذهب الورقي المتداول يمثّل كميات أكبر بكثير من الذهب الفعلي، مع وعود بتأمينها في الأسواق العالمية. فالبنوك والصناديق تبيع حاليًا ما يقارب 250 ضعفًا من حجم البيع الحقيقي للذهب، أي إنه مقابل بيع كيلو واحد فعلي في اليوم، يُباع 250 كيلو من الذهب الوهمي أو الإلكتروني عبر منصّات البورصة والمضاربات، ما يجعل الخطورة مضاعفة لكونه غير مغطّى فعليًا”.
ويتحدث الشحيمي عن ما يُعرف بـ”البيع على المكشوف”، موضحًا أنّه “بمجرد استحواذ المنصّات والصناديق على كيلو من الذهب الحقيقي، يتمّ بيع 250 كيلو من الذهب الإلكتروني مقابله على شكل أسهم متناسبة مع وحدته السعرية. ففي عالم الأسهم لا يمكن بيع ما لا يُملك، أما الذهب فيُعدّ الاستثناء، إذ يمكن التداول به إلكترونيًا دون امتلاك الذهب الفعلي، لأن الهدف هو المضاربة وتحقيق الربح، لا الحصول على المعدن نفسه”.
ويحذّر الشحيمي من تحوّل الذهب إلى “فقاعة قابلة للانفجار في أي لحظة”، موضحًا أنّه “عندما يسعى الجميع في الوقت نفسه للحصول على الذهب المادي، تتفجّر فقاعة الاختلال بين العرض والطلب، وتتزعزع الثقة بالسوق ككل. فالذهب يفقد قيمته كملاذ آمن عندما لا تتوافر الكميات الحقيقية لتغطية التداولات الإلكترونية، فينشأ طلب بلا عرض، وتُقلب الطاولة بين النادي الحقيقي لسوق الذهب – أي البنوك المركزية والمصانع والوسطاء – وبين المضاربين الإلكترونيين الذين يتعاملون بالشيك والعمولة دون وجود الذهب الحقيقي”.
وعن أسباب ارتفاع الأسعار عالميًا، وانتشار الطوابير الطويلة لشراء الذهب، يرى الشحيمي أن “البنوك المركزية تواصل شراء الذهب بكميات ضخمة للعام الرابع على التوالي لتقليص حيازتها من الدولار والعملات الورقية الصعبة، كما تقوم الصناديق الاستثمارية بالخطوة نفسها بكميات غير مسبوقة، إضافة إلى مشتريات المؤسسات والأفراد للتحوّط من الحروب التجارية والأزمات الجيوسياسية والتوترات السياسية”.
ويشرح أن الإشكالية تكمن في وجود “نوعين من الذهب: الحقيقي والورقي”.
فالأول هو المعدن الملموس الذي يُشترى ويُخزّن ويُمسك باليد، ويمثل السعر الأصلي للذهب، ويتيح للمستثمرين امتلاك السبائك والليرات والأونصات. أما الثاني فهو “الذهب الورقي”، أي الأوراق المستندية التي تمثّل ملكية كمية من الذهب من دون حيازته فعليًا.
ويعيد الشحيمي ارتفاع الأسعار إلى “المضاربة في سوق الذهب الإلكتروني، حيث يتبادل المستثمرون العقود من دون حاجة فعلية إلى وجود الذهب، ودون نية لتسلّمه فعليًا. هذا الأمر يؤدي إلى تضخّم في حجم المبادلات، وتضخيم الأسعار بشكل متحرّر من العرض والطلب الواقعي، مع احتمالية كبيرة لحدوث تصحيح مفاجئ أو انهيار غير محسوب”.
أما عن احتمال انخفاض السعر، فيؤكد الشحيمي أن “انفجار الفقاعة يصبح واقعًا حين تزداد موجة الشراء والمطالبة بكميات كبيرة من الذهب دفعة واحدة، فيُكشف العجز الحقيقي بين التداول الإلكتروني والموجودات المادية. عندها، يسحب المستثمرون أموالهم من الأسواق الإلكترونية، فيكتشفون أن الذهب الحقيقي غير متاح، فيلجأون إلى شرائه من السوق السوداء بأسعار أعلى بكثير من السعر المعلن، مع رسوم تأمينية وعمولات إضافية، ما يجعلهم خاسرين رغم الأرباح الظاهرية”.
ويختم قائلاً: “حين يمتنع المستثمرون عن تجسيد عمليات البيع بالذهب الحقيقي، ويكتفون بالتداول الإلكتروني، تنخفض الأسعار ظاهريًا نتيجة بيع الذهب الورقي بكميات ضخمة، لتبدأ بعدها دورة جديدة من الارتفاعات غير المستقرة، حيث تتداخل المضاربات مع المخاوف، في سوق لم يعد يفرّق بين الذهب الحقيقي والوهمي”.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا