ولأن جريدة “الديار” تحرص على التحقق من الحقائق قبل نقلها للرأي العام، أجرت سلسلة مقابلات مع أطباء ومتخصصين لتوضيح الصورة، ووضع الأمور في إطارها العلمي والصحي الصحيح.

ما هو مرض الملاريا؟

الملاريا مرض يُسببه طفيل ينتقل إلى الإنسان عبر لدغة بعوض موبوء، ويُصاب المريض عادة بإعياء شديد ترافقه حرارة مرتفعة وقشعريرة قوية.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن قارة إفريقيا التي يبلغ عدد سكانها نحو مليار ونصف المليار نسمة، سجلت عام 2023 ما نسبته 95% من إجمالي وفيات الملاريا حول العالم، أي نحو 597 ألف وفاة.

تشمل أعراض الملاريا: الحمى، القشعريرة، الصداع، الغثيان، القيء، الإسهال، ألم البطن والمفاصل والعضلات، إضافة إلى الإرهاق وسرعة التنفس وضربات القلب، وأحياناً السعال.

وتبدأ هذه الأعراض بالظهور خلال بضعة أسابيع بعد لدغة البعوضة الموبوءة، مع إمكانية بقاء بعض أنواع الطفيليات خاملة في الجسم، لمدة تصل إلى عام كامل.

ويُعد هذا المرض في موسمه الحالي الأكثر فتكاً في أجزاء واسعة من القارة الإفريقية.

حالات محدودة وتحقيقات دقيقة في لبنان

وللاستيضاح عن واقع المرض في لبنان، اكد طبيب الأمراض المعدية الدكتورعيد عزار لـ “الديار” أنه “لكي تكون هناك إصابات بالملاريا، يجب أن يكون هناك بعوض مصاب بالمرض وينقله إلى الإنسان”، مضيفاً أن “في لبنان هناك بعض علامات الاستفهام حول الموضوع”.

وأوضح “أن بعض الحالات التي سُجلت، لم تكن مرتبطة بسفر حديث إلى إفريقيا، ولم يكن واضحاً سبب إصابتها”، واصفاً ذلك بأنه “نموذج كلاسيكي لحالات الملاريا التي نراها أحياناً في لبنان”،إلا أنه شدد على “أن الوضع لا يدعو للقلق” قائلاً: “ليس هناك أي حالة وبائية في لبنان، ولا شيء خطيراً. الأمر يقتصر على تحذير من وزارة الصحة بهدف التوعية فقط”.

وزارة الصحة: لا طوارئ… والمتابعة مستمرة

من جهتها، أوضحت رئيسة مصلحة الطب الوقائي في وزارة الصحة الدكتورة عاتكة بري، أن لبنان “يسجل دائماً حالات ملاريا وافدة من الخارج، نتيجة وجود عدد كبير من المغتربين في البلدان التي ينتشر فيها المرض”. وأضافت أنه “من حين لآخر، تُسجل حالات نادرة لا يُثبت ارتباطها بالسفر”.

وتابعت موضحة أن “الملاريا يمكن أن تنتقل أيضاً عبر الدم، وليس فقط عبر لدغة البعوض الناقل”.وفي حال تسجيل أي حالة لم يُثبت سفرها، تقوم الوزارة – بحسب بري – بـ “تقصيات وبائية تشمل فحص المخالطين، الذين عانوا من حرارة مرتفعة غير مبررة خلال فترة زمنية معينة.كما تقوم الوزارة بأخذ عينات من البعوض الموجود في المنطقة التي سجلت فيها الحالة، بهدف التأكد مما إذا كان هناك بعوض ناقل للمرض”.

وقالت: “خلال فصل الصيف، سجلنا بضع حالات لم يُثبت سفرها. وعلى الأثر، أجرت فرق الوزارة الفحوص اللازمة للمخالطين الذين تنطبق عليهم شروط الفحص، وجاءت جميع النتائج سلبية. كذلك أُخذت عينات من البعوض، ولم يثبت وجود أي بعوض ناقل للمرض في تلك المناطق”.

وأوضحت أن الوزارة أصدرت أيضاً تعميماً تذكيرياً للمستشفيات، “وهو إجراء تقوم به عادة عند تسجيل حالات غير مرتبطة بالسفر، بهدف التوعية والتشخيص السريع”. وأضافت أن “الوزارة تتابع جميع الأمراض الانتقالية والمستجدة، بالتعاون مع لجنة وطنية تضم اختصاصيين من القطاعين العام والخاص”.

وتشير إلى أن الوزارة “تستخدم تعبير “لم يثبت سفرها”، لأن بعض الحالات قد تنفي السفر، رغم أنها كانت قد سافرت فعلاً ولم تفصح عن ذلك”. وتقول: “عندما نسجل حالة نادرة، نذهب مباشرة إلى المنطقة المعنية ،ونستكشف نوع الحشرات الموجودة فيها، ونُجري فحوص دم سريعة للمخالطين الذين تظهر عليهم عوارض”.

وأكدت أنه “منذ عشر سنوات لم يحصل أي طارئ صحي استدعى الدخول في تحقيقات موسعة تتعلق بالملاريا”.وشددت على أنه “لا داعي لإعلان حالة الطوارئ، فالموضوع بسيط وتحت السيطرة”.

واوضحت أن “لبنان سجّل ثلاث حالات إصابة بالملاريا لأشخاص لم يثبت سفرهم. ومنذ ثلاث سنوات واجهنا وضعاً مشابهاً، وتبين لاحقاً أن المصابين سوريون كانوا قد سافروا بطريقة غير شرعية ولم يصرّحوا بذلك. لذلك، عبارة “لم يثبت سفرهم” لا تعني أنهم لم يسافروا فعلاً، بل أنه لم يتم إثبات ذلك رسمياً”.

وأضافت بري: “أما الحالة الأخيرة المماثلة فقد سُجلت منذ نحو سبع سنوات، وكانت نتيجة نقل دم من شخص قادم من إفريقيا”.

بين الوقاية والوعي… لا مجال للذعر

رغم أن الملاريا ما تزال تحصد أرواح مئات الآلاف حول العالم، إلا أن الوضع في لبنان لا يدعو إلى القلق. فالحالات المسجلة نادرة، والمتابعة الطبية دقيقة، والوزارة على جهوزية تامة لأي طارئ.

كما أن الوعي الشعبي، وعدم الانجرار وراء الشائعات، يبقيان خط الدفاع الأول. فالملاريا مرض معروف وطرق الوقاية منه بسيطة، أهمها تجنّب لدغات البعوض، واستخدام الناموسيات والمبيدات، واللجوء إلى الفحص الطبي عند أي عوارض غير مبررة.

وبين الحذر المشروع والهلع غير المبرر، يبقى الأهم أن نثق بالمؤسسات الصحية التي تعمل بصمت لحماية المجتمع. ففي لبنان، لا ملاريا وبائية… بل متابعة دقيقة وطمأنينة علمية.