15 يوماً على بداية العام الدراسي في الجنوب، وسط معاناة لا تعد ولا تحصى، ولعل اهمها استمرار العدوان الصهيوني اليومي على القرى الحدودية الامامية، والتي لا يكفي ان مدارسها ومعاهدها دمرت بالكامل، وهجر اهلها الى مناطق متفرقة في لبنان ولا يزالون، وصولاً الى نقص في الموارد المالية والطلاب، وتقصير الدولة، وغلاء الاقساط في التعليم الخاص والرسمي وغبن الاساتذة!
وفي جولة ميدانية لـ «الديار»، وتقاطع معلومات وآراء لمختصين ومدراء مدارس واساتذة ومشرفين تربويين، يتبين ان تدمير المقار التعليمية والمدرسية هو التحدي الابرز، حيث تعرضت العديد من المدارس في البلدات الحدودية لأضرار متفاوتة، نتيجة القصف الصهيوني. على سبيل المثال، في بلدة ميس الجبل تم تدمير مجمع المحقق الميسي الأكاديمي الفني، مما أدى إلى نزوح التلاميذ والمعلمين. وفي بلدة حولا تم تدمير المدرسة الرسمية، مما دفع البلدية إلى تحويل مبنى رعاية المسنين إلى مدرسة مؤقتة، مع تجهيز صفوف إضافية باستخدام غرف جاهزة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من التلاميذ.
مدارس موقتة
وفي مواجهة هذه التحديات، بادرت المجتمعات المحلية إلى اتخاذ خطوات عملية لضمان استمرارية التعليم، حيث:
- تم إنشاء مجمعات مدرسية مؤقتة في بلدة ميس الجبل وبلدة حولا باستخدام غرف جاهزة، لتوفير بيئة تعليمية آمنة للتلاميذ.
- تم تحويل مبان غير مدرسية، مثل مباني رعاية المسنين، إلى مدارس مؤقتة لاستيعاب التلاميذ.
- عملت البلديات بالتعاون مع مجلس الجنوب واتحاد بلديات جبل عامل على تنفيذ هذه المشاريع، بدعم مالي من جهات محلية ودولية.
ابزر العقبات
يواجه القطاع التعليمي نقصا في المعلمين، الذين لا يزالون نازحين في مناطق النزوح، حيث تشكل الاعتداءات الصهيونية المستمرة العائق الابرز، وتهديداً مباشراً لإستقرار العملية التعليمية.
كما تتطلب الغرف الجاهزة صيانة دورية، وقد لا تكون مجهزة بكافة الوسائل التعليمية الحديثة، وهو ما يشكل ضغطاً كبيراً على البنية التحتية.
واقع مرير في ميس الجبل
ميدانياً، تبدو الصورة صعبة واشبه بـ «الواقع المستحيل»، الا ان اصرار الاهالي وسكان هذه القرى، يشكل مقاومة تربوية في وجه العدو.
وفي السياق، يكشف مدير معهد ميس الجبل الفني فرج قبلان لـ «الديار» ان «المعهد يخرج طلاباً مهنيين بمستوى البريفيه الفنية والبكالوريا الفنية والاجازة الفنية، ولكن هذا العام كان استثنائياً. وفي العامين الماضيين كان التدريس «اونلاين»، بسبب الحرب بالاضافة الى استمرار العدوان والمعهد اليوم مدمر بالكامل».
ويكشف «ان بلدية ميس الجبل وبالتعاون مع إتحاد بلديات جبل عامل ومجلس الجنوب، وبتقدمة مالية من قبيلة السواعد العراقية، قاموا بتأسيس مجمع تربوي موقت في ميس الجبل. واليوم يتم انجاز البنى التحتية للمبنى الموقت، والذي هو عبارة عن غرف جاهزة، ويحتاج طبعاً الى مرافق مكملة ومنها حمامات وملاعب الخ».
ويشير الى «ان التدريس في المعهد سيبدأ في 6 تشرين الاول الجاري»، ويلفت الى «ان مديرية التعليم المهني والتقني مشكورة. وفي مبادرة لدعم المعاهد التقنية التي لا تتلقى اية مساعدات من الدولة وصناديقها فارغة، رفعت رسم التسجيل للطلاب والذي لا يتجاوز الـ200 دولار اميركي لطلاب الـ ts ، اي ان صناديق المدارس المهنية تمول من مساهمات الاهل في صندوق المدرسة.
ويلتف الى «ان هذه الرسوم لا تذهب الى الدولة، بل تمول المدرسة نفسها بنفسها، حيث تدفع اجور عمال النظافة والحاجب والنفقات التشغيلية، وكذلك ستذهب لشراء التجهيزات وبدلاً عن التي تدمرت بالحرب وبتدمير المبنى بفعل العدوان الصهيوني». ويضيف: «يعني ان ما يدفعه الاهل يعود بالفائدة الى اولادهم، حيث تمول المدرسة الرسمية حاجاتهم ، وهي لا تبغى الربح او الاستفادة المادية من هذا الرسم الرمزي».
ويطرح قبلان تحد جديد وهو «النقص في الطلاب في المعهد، بسبب وجود عشرات التلامذة من ابناء ميس الجبل في اماكن النزوح وخارج بلدتهم».
صناديق فارغة
بدوره، يشير مدير متوسطة برج رحال الرسمية في قضاء صور ياسين غزال لـ"الديار»، الى ان «التهديد الأمني هو الاخطر،عبر الاستهداف الصهيوني اليومي والتحليق المستمر للمسيرات». ويلفت الى «ضعف الامكانات المدرسية اللوجستية، وعدم توفر الكتاب المدرسي، والحاجة الى معلمين جدد، وضرورة تمو يل صناديق المدارس الفارغة والحاجة ايضاً الى تحديثات في النظام الداخلي».
معاناة كبيرة للاساتذة ايضاً!
وفي مقلب الاساتذة، لا تبدو الامور جيدة ايضاً،. وفي هذا السياق، يكشف الدكتور حسين سعد، رئيس لجنة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، ان «المطلب الاساس هو التثبيت في الوظيفة عبر دورات تدريبية، استناداً إلى الحق القانوني وسنوات الخدمة والتضحيات خلال الأزمات التي مر بها القطاع التعليمي». ويقول: «من المطالب الملحة، ضرورة صرف المستحقات المالية شهرياً وبانتظام، والعمل على إجراء المناقلات مع بداية العام الدراسي. اما المطالب المالية للاستذة فتتلخص، بالعمل على رفع أجر ساعة التعاقد في موازنة 2026 ، ليشمل كافة بدلات الملاك (منحة تعليمية، تغطية صحية، رواتب الصيف)».
ويضيف: «كما يجب تعديل بدل النقل، ليكون عن كل يوم حضور حسب المسافة الفعلية».
وعن المطالب الصحية يقول: «ضرورة توفير تأمين صحي شامل وبطاقة صحية، والعمل على إيجاد حل لاشتراك المتعاقدين في الضمان الاجتماعي (حتى لو كان اختيارياً)».
اما المطالب الأخرى، يضيف سعد، «حماية حقوق المتعاقدين المالية أثناء إضراب الملاك، وشمولهم بأي زيادات تمنح للملاك، وضرورة توحيد تسمية «متعاقد مع وزارة التربية» وربط الأجر بالشهادة العلمية، وضرورة احتساب مكافأة نهاية الخدمة على الراتب الإجمالي (بعد دمج كافة البدلات)».
مسؤولية كبرى لوازارة التربية
وفي مقلب وزارة التربية، يؤكد سعد على جملة مطالب منها، لجهة تحقيق ما اسمته الوزيرة
«خطة التعافي» واستمراريتها في المدارس الرسمية، وهي:
1- تأمين الكتب والورق والبروجكتورات وكافة التجهيزات اللازمة للمدارس التي تحتاج لضمان استدامة خطة التعافي.
2- تنظيم دورات تدريبية شاملة لجميع المعلمين والمدراء والقيمين على الخطة.
3 - إرسال كتيّبات شرح مفصّلة وواضحة لكل قسم من أقسام الخطة.
4 - تزويد المدارس بدروس محضّرة ومسجّلة على أقراص CD ، وتوزيعها حسب الصفوف والمستويات.
5 - طباعة بطاقات للتلامذة ضمن كتيّبات خاصة وتوزيعها على المدارس.
6- تخصيص ساعتين أسبوعياً فقط لهذا البرنامج الداعم، بما يتيح للمعلمين تنفيذ الدروس المطلوبة بسلاسة.
7- الإقرار بأن خطة التعافي لا تشمل جميع الأهداف المطلوبة، ولا سيما تلك المتعلقة بالدروس التي حُذفت في العام الماضي.
8- بالنسبة للبند السادس، يُقترَح السير بالخطة لمدة شهر واحد فقط (خلال شهر تشرين الأول)، ومن ثم العودة إلى الكتب المدرسية وتطبيق أنشطة مرتبطة بالكفايات والأهداف الخاصة بالدرس. كما يُقترَح زيادة حصة لمادتي الرياضيات واللغات في الحلقتين على حساب بعض المواد الإجرائية (الرسم، الرياضة، الفنون...)، خصوصاً أن 90% من المدارس لا يتوفر فيها أساتذة لهذه المواد. وبذلك نكون قد جمعنا بين معالجة الفاقد التعليمي وتحقيق أهداف المنهج.
توصيات مكمّلة
ويلفت سعد الى توصيات هامة هي:
- «السماح للمعلمين باستخدام الهاتف أثناء الشرح في حال عدم توفّر جهاز كمبيوتر.
- إعداد دورات تدريبية خاصة بالمعلمين والمدراء لتعريفهم بالخطة وآليات تطبيقها، إلى جانب تدريبهم على استخدام الكمبيوتر بشكل فعّال».
ويختم بالتشديد على «ان المدارس التي لا تتوفر فيها أجهزة الكمبيوتر المحمولة (اللابتوبات)، لن تتمكّن من تطبيق خطة التعافي بالشكل المطلوب، وعلى الوزارة أن تتحمّل مسؤوليتها في هذا المجال. إن غياب هذه التجهيزات يزيد من حجم الفاقد التعليمي لدى التلامذة بدل أن يساهم في ردم الهوة التعليمية».
التسرب المدرسي وغلاء الاقساط!
وفي حين تبدو المعاناة كبيرة في القطاع الرسمي، لا يبدو التعليم في القطاع الخاص افضل حالاً، مع مضاعفة المدارس بمعظمها اقساطها لمرتين او ثلاثة.
وفي مقلب التعليم الخاص، يكشف اب لثلاثة ابناء ان الاقساط تضاعفت مرتين في المدارس الخاصة هذا العام. ويشير لـ"الديار» الى «ان الاقساط كانت الفي دولار كمعدل وسطي، اصبحت فوق الـ3 الاف و3 الاف و500 دولار في مدارس متوسطة المستوى وليست المدارس عالية المستوى.
وهذه الاسعار تعتبر مرهقة للاهالي خصوصاً في الجنوب، لا سيما القرى الامامية المدمرة، اذ لا يعمل غالبية العائدين الى قراهم، وفرص العمل معدومة، ولا تمكن العائدين الى القرى الامامية من البقاء والصمود. واذا افترضنا انه عاد الى بلدته ومنزله سليم وغير مدمر، فكيف يعيش ويؤمن قوت يومه اذا لم يعمل، وليس هناك من مورد مالي يومي او شهري؟
هذا الامر حكماً سيؤدي الى رفع مستويات التسرب المدرسي، فمن كان يدرس اولاده في مدرسة خاصة، ففي ظل هذه الظروف الحانقة، لا يبقى امامه الا ان يبقي اولاده في المنزل، او يرسلهم الى مدرسة رسمية بسبب قلة الحال والعوز.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :