الذِّمِّيّة لا تكون بالتَّضامن بل بالارتهان

الذِّمِّيّة لا تكون بالتَّضامن بل بالارتهان

 

Telegram

 

بقلم: إلياس المر*

 

مع حلول الذِّكرى الأولى لاغتيال السيِّد حسن نصرالله، انفجرت حملات إعلاميّة وسياسيّة مسعورة تستهدف بعض المسيحيِّين الذين شاركوا أو عبَّروا عن تضامنهم مع جمهور المقاومة. هؤلاء وُصِموا بالـ"ذمِّيّة"، وكأنَّ التَّعبير عن موقف وجداني أو وطني صار جريمة. لكن الحقيقة أنَّ الذِّمِّيّة الحقيقية لا تُقاس بالمواقف الحُرّة، بل بالارتهان للخارج، والتَّمويل المشبوه، والتَّصفيق للجلاّد على حساب الضحيّة.

 

الذِّمِّيّة في أصلها ومعناها

 

المفهوم التاريخي للذِّمِّيّة ارتبط بمرحلة، حيث شكَّلت علاقة تعاقديّة بين الدولة وأهل الكتاب. لكن نقل هذا المفهوم إلى الساحة اللبنانيّة المعاصرة ليس إلا تحريفاً للتاريخ واستخداماً دعائيّاً لإسكات الآخر. فالإنجيل نفسه يؤكِّد أنَّ الإنسان مدعوّ لأن يكون شاهداً للحق لا أسيراً للباطل. إذ يقول المسيح: "تعرِفون الحقّ والحقّ يحرِّركم" (يوحنّا 8: 32). فهل الحرية في التَّضامن أم في الارتهان لمَن يملك المال والدعاية والتَّفوّق السياسي على حساب الحقّ والتَّفوّق الشعبي الحقيقي؟

 

التَّضامن ليس ذمِّيّة

 

المسيحي الذي يشارك في ذكرى رجل استُشهد في مواجهة العدوّ الإسرائيلي أو التَّكفيري، لا يفعل ذلك خضوعاً بل وفاءً. هذا الموقف نابع من روح الإنجيل التي تدعو إلى الوقوف مع المظلوم. يقول الكتاب: "طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ، لأنَّهم يُشبَعون" (متّى 5: 6)، ويقول أيضاً: "طوبى للمُضطهَدين من أجل البرّ، لأنَّ لهم ملكوت السماوات" (متّى 5: 10).

أليس التَّضامن مع شهيد قُتل لأنَّه واجه مشروعاً صهيونيّاً وتكفيريّاً هو تعبير حيّ عن هذا البرّ؟

 

الذِّمِّي، مَن يسترضي الخارج للحصول على المكتسبات الإعلاميّة والماليّة والسياسيّة، وليس مَن يُخاطر بذاته ورصيده ويعرِّض نفسه للتَّضييق والحصار والعقوبات، فهذا بطل وصاحب كلمة وموقف مشرِّف، لا يعرفه مَن باع نفسه وأهله بثلاثين من الفضّة، وأنكر المسيح والوجود المسيحي في المَشرق وباعه للجماعات التَّكفيريّة قبل صياح الدِّيك.

 

الذِّمِّيّة الحقيقية: في الارتهان لا في التَّضامن

 

الذِّمِّيّة ليست عند مَن يرفع صوته تضامناً، بل عند مَن يبيع كلمته بحقيبة سوداء:

 

* عند مَن يصفِّق للفاسدين ويتحالف مع الإرهابيّين.

* عند مَن يكتب تقارير ضدّ أبناء وطنه في الخارج.

* عند مَن يتواطأ مع مَن يذبح اللبنانيِّين أو يحاصرهم اقتصاديّاً.

 

الإنجيل يرفض هذا الارتهان بوضوح: "لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" (متّى 6: 24). فمن يبيع مواقفه للمال هو العبد الحقيقي، لا مَن يرفع صوته تضامناً مع شهيد.

 

مَن يصفِّق للقاتل لا يحقّ له اتّهام الضحيّة

 

الذين يقفون إلى جانب الجلّاد الإسرائيلي أو التَّكفيري ويبرِّرون جرائمه، هم الذين فقدوا البوصلة الأخلاقيّة. أمّا الذين يقفون مع الضحيّة فهم يسيرون على خطّ الإنجيل الذي يوصي: "افتح فمك لأجل الأخرس، في دعوى جميع يتامى الموت. افتح فمك. اقضِ بالعدل وحامِ عن الفقير والمسكين" (أمثال 31: 8-9).

الوقوف مع المستضعف هو وصيّة إنجيليّة، بينما التَّصفيق للقاتل خيانة للضمير والإنسان.

 

السِّيادة الحقيقية لا المزيَّفة

 

مَن يزعم الدِّفاع عن السِّيادة وهو مرتهن لعواصم الخارج يمارس ذمِّيّة سياسيّة حقيقية. أمّا مَن يرفض الخضوع ويدافع عن أرضه وشعبه، فهو يحقِّق السِّيادة الفعلية. الإنجيل يقول: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون أن يقتلوا النفس" (متّى 10: 28). السِّيادة الحقيقية هي شجاعة روحيّة قبل أن تكون معادلة سياسيّة.

 

كلمة أخيرة

 

إنَّ المسيحيِّين الذين عبَّروا عن تضامنهم في ذكرى نصرالله هم صفوة الشرفاء، لم يفعلوا ذلك بدافع خوف أو تبعيّة، بل كسروا حواجز الدعاية والخوف وتشويه الصورة، بدافع إيمانٍ وطني وأخلاقي. التَّضامن مع المظلوم شهادة للحقّ، والسّكوت أمام الظلم تواطؤ مع الباطل.

الذِّمِّيّة ليست في التَّعبير عن موقف حرّ، بل في بيع الضمير. وليتذكَّر مَن يطلق الاتّهامات قول المسيح: "بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم" (متّى 7: 2).

 

مَن يتّهم الأحرار بالذِّمِّيّة إنَّما يكشف ذمِّيَّته هو أمام المال والارتهان. أمّا الذين يرفعون صوتهم تضامناً مع الشهداء، فهم الأحرار الذين يحفظ لهم التاريخ مواقفهم، فيما يطوي الخونة في صفحات العار.

 

 

*إلياس المر – أمين عام الاتحاد المشرقي

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram