بعد ثلاثة عقود من الإقفال والتراجع، يستعيد مرفأ جونية السياحي دوره المهم ليصبح بوابة بحرية حيوية تربط لبنان مباشرة بأوروبا، معززاً فرص الاستثمار السياحي والاقتصادي في البلاد. الافتتاح الرسمي للمرفأ لم يكن مجرد “قص شريط”، بل خطوة متقدمة لإعادة لبنان إلى خريطة النقل البحري الإقليمية وربطه بشبكة المرافئ المتوسطية، خصوصاً مع بدء الرحلات البحرية المنتظمة بين جونية وقبرص، التي تستغرق أربع ساعات فقط، ما يفتح المجال أمام تدفق السياح ورجال الأعمال على حد سواء.
هل تستطيع السياحة البحرية ضخ سيولة بالدولار وإنعاش الاقتصاد اللبناني؟
مع تراجع الثقة في القطاع المصرفي اللبناني، يمثل الاستثمار في السياحة البحرية أحد المسارات القليلة القادرة على ضخ سيولة بالدولار في الاقتصاد المحلي. فالمشروع لا يحتاج لسنوات طويلة لتظهر نتائجه، على عكس قطاعات أخرى تتطلب استثمارات ممتدة، ويمكنه أن يسهم بشكل مباشر في تنشيط الفنادق والمطاعم وبيوت الضيافة والمراكز التجارية في كسروان ومحيطها. ووفق التقديرات، إذا نجح لبنان في جذب 2% فقط من أكثر من 5 ملايين سائح يزورون قبرص سنوياً، فهذا يعني دخول نحو 100 ألف سائح إضافي إلى السوق اللبنانية سنوياً.
الفرص مع تخفيض أسعار الفائدة الأميركية
يشكل مرفأ جونية اليوم نموذجاً حياً للاستفادة من الظروف الاقتصادية العالمية، خصوصاً في ظل التوقعات المتعلقة بخفض أسعار الفائدة الأميركية. انخفاض الفائدة في الولايات المتحدة يؤدي إلى تقليل جاذبية العوائد على الأصول المقوَّمة بالدولار، وهو ما يدفع المستثمرين للبحث عن فرص بديلة تحقق عوائد أعلى. في هذا السياق، يظهر مرفأ جونية وجهة استثمارية واعدة بمختلف أبعادها، سواء من خلال السياحة البحرية، الرحلات السياحية، أم من خلال تطوير المرافق البحرية المصاحبة، كما أن انخفاض تكلفة التمويل على المستوى العالمي يجعل توسيع المشروع أكثر سهولة وفاعلية، حيث يمكن تطوير البنية التحتية للمرفأ، شراء سفن إضافية، وتحسين مرافق استقبال السياح من دون أن يشكل ذلك عبئاً مالياً كبيراً على المستثمرين.
بالإضافة إلى البعد الاستثماري، يكتسب المشروع أهمية اقتصادية ملموسة على صعيد لبنان. فاستقطاب السياح ورجال الأعمال الأجانب يعني ضخ سيولة بالدولار في الاقتصاد المحلي، ما يساهم في دعم الاستقرار المالي الجزئي في ظل التحديات المصرفية الراهنة. كل سائح إضافي يمثل إنفاقاً مباشراً في الفنادق والمطاعم ووسائل النقل والمتاجر، كما يخلق أثراً غير مباشر يتمثل بزيادة حركة السوق المحلية، وتحقيق عوائد ضريبية إضافية تعزّز قدرة الدولة على دعم الخدمات العامة والمشاريع التنموية.
من زاوية العلاقة بين السياسة النقدية الأميركية والاستثمار المحلي، فإن تخفيض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يخلق بيئة عالمية أكثر جاذبية للاستثمار خارج البلاد. انخفاض الفائدة يقلل العوائد على الأصول الأميركية، ما يدفع رؤوس الأموال للبحث عن فرص بديلة توفر عوائد أعلى، ومنها مشاريع السياحة البحرية والمرافئ اللبنانية. في الوقت نفسه، يتيح انخفاض تكلفة الاقتراض عالميًا للمستثمرين المحليين والدوليين الحصول على تمويل بأسعار أقل، ما يسهل توسع المشروع، شراء السفن الجديدة، وتطوير البنية التحتية للمرفأ، ما يعزز قدرة المرفأ على المنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية
باختصار، مرفأ جونية ليس مجرد بوابة بحرية تربط لبنان بأوروبا، بل يمثل فرصة حقيقية لضخ الدولار في الاقتصاد اللبناني وتشجيع الإنفاق المباشر بالدولار في الفنادق والمطاعم ووسائل النقل والخدمات السياحية، كما يفتح المرفأ المجال لتعزيز التبادل التجاري مع أوروبا، عبر استيراد منتجات وخدمات مرتبطة بالسياحة البحرية أو تطوير البنية التحتية التجارية، ما يساهم في تحويل النشاط السياحي إلى سيولة أجنبية مستدامة تدعم الأسواق المحلية. بهذا المعنى، يمكن اعتبار المرفأ رافعة استراتيجية للبنان، تجمع ما بين التنمية المحلية وفتح أفق الاستثمار الإقليمي والدولي على حد سواء.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :