كتب رشيد حاطوم
في المشهد السياسي اللبناني المعقّد، تبرز قوى مؤثرة تعمل غالبًا بعيدًا عن الأضواء، تُشكّل ما يُصطلح عليه في الأدبيات السياسية بـ"الدولة العميقة". هذه الكيانات، التي تتمركز حول شخصيات سياسية عابرة للطوائف ومؤسسات وطنية راسخة، تلعب دورًا محوريًا في توجيه دفة الأمور وفي احتواء الأزمات قبل انفجارها.
في هذا الإطار، يُلاحَظ أن تجربةً تراكميةً طويلةً وعلاقاتٍ ممتدةً تمنح بعض الرموز السياسية، إلى جانب مؤسسة عسكرية تحظى باحترام نسبي واسع، قدرة فريدة على إدارة ملفات الشأن العام بمنطق التهدئة والحلول التدرّجية. فغالبًا ما تأتي لحظات الاختبار الحقيقية عندما تتصاعد وتيرة المطالبات الشعبية أو الضغوط الدولية، التي تدفع نحو قرارات حاسمة وجذرية قد تحمل في طياتها مخاطر عدم الاستقرار.
مثالٌ على ذلك كان الموقف الأخير الذي شهدته الساحة اللبنانية، حيث وُجِّهت دعوات لاتخاذ إجراءات فورية وحاسمة في ملفٍ شائكٍ وحساس. إلا أن آلية الضبط والموازنة الداخلية قد عملت على احتواء الموقف، عبر الترويج لخيار الحوار والتدرّج في معالجة الملف، بدل الاصطدام المباشر الذي كان قد يُفضي إلى مواجهات يصعب احتواء تبعاتها.
وهكذا، تظهر قدرة هذه الشبكة من العلاقات والمصالح على "ترويض" الأزمات، ليس بالضرورة عبر إلغائها، بل عبر تأجيلها أو إعادة صياغتها بطريقة تمنع الانفجار الداخلي، محافظةً بذلك على نظام التوازنات الهش الذي يقوم عليه البلد. إنها إستراتيجية تعتمد على تفادي الأسوأ، وإنْ كان ثمن ذلك هو تأجيل الحلول الجذرية والمستدامة، مما يبقي لبنان في حلقة مفرغة من الأزمات المُؤجّلة والهدوء الهش.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :