على مدى السنوات الأخيرة، أجرت مجموعة "أتش أس بي سي" المصرفية تغييرات كثيرة وتعديلات داخلية لتفادي الشبهات حول عمليات البنك الخاصة بالأثرياء من مصادر مشبوهة، بهدف التخلص من السمعة السيئة للبنك، باعتباره "بنك غسل أموال".
ونجحت المجموعة، سواء في هونغ كونغ أم لندن وشركاتها التابعة في مناطق العالم المختلفة، في ضبط دفاترها وضمان زيادة التدقيق على المعاملات المالية التي قد يشتبه في أنها "غسل أموال".
حتى عملاء التجزئة لبنك "أتش أس بي سي" أصبحوا يدركون ذلك بوضوح، من تأكيد البنك بشدة على تطبيق معايير سلطات المراقبة المالية، وكذلك ضمان إبلاغ الجهات الرسمية، بما فيها مصلحة الضرائب بالنشاط المالي لعملائه.
وبعدما كان سهلاً على أي عميل للبنك في بريطانيا أن يطلب فتح حساب "أوفشور"، سواء في مناطق عدم الخضوع للضريبة كبعض الجزر البريطانية أم في سويسرا، أصبح ذراع التجزئة للبنك يشترط تلبية متطلبات إضافية عدة لضمان التدقيق ومنع التهرب الضريبي أو غيره.
لكن يبدو أن كل تلك التغييرات والتعديلات لم تكن كافية لعدم ملاحقة سلطات المراقبة والتنظيم المالي في أكثر من بلد للمجموعة المصرفية وتشديد المراقبة والتدقيق عليها، خصوصاً أذرعها لإدارة الثروات وحسابات المليونيرات، من هنا جاء قرار المجموعة الأخير بوقف التعامل مع أكثر من ألف ثري عربي عبر وحدة إدارة الثروات في سويسرا، وتلقى بعض هؤلاء خطابات من البنك عن إنهاء تعامله مع حسابات لديه والبقية سيتم إبلاغها ووقف التعامل معها في غضون 6 أشهر.
ما السبب وراء وقف التعاملات؟
لم يكن القرار مفاجئاً للمطلعين على تحقيقات فرنسية وسويسرية في نشاطات فرع الصيرفة الخاصة لمجموعة "أتش أس بي سي" في سويسرا، التي اعتمدت عليها المجموعة المصرفية الشهيرة لزيادة حصتها من معاملات الأثرياء في الشرق الأوسط، ففي العام الماضي خلص تحقيق لهيئة مراقبة المصارف وأسواق المال السويسرية (فينما) إلى أن فرع الصيرفة الخاصة للمجموعة في سويسرا "لا يجري التدقيق اللازم في شأن الحسابات عالية الأخطار، التي تملكها شخصيات سياسية مشبوهة".
وطلبت الهيئة من فرع المجموعة السويسري ألا يجري أي تعاملات جديدة مع من وصفتهم "الشخصيات السياسية المشبوهة"، أو أي أشخاص يتولون مناصب عامة تجعلهم في محل شك بالنسبة إلى الفساد، بحسب ما ذكرت وكالة "بلومبيرغ".
وألزمت الهيئة السويسرية البنك باستخدام مراجع حسابات خارجي للتدقيق في تلك التعاملات، واعتبر العملاء الذين تزيد ثروتهم في حسابات البنك الخاص على 100 مليون فرنك سويسري (124 مليون دولار) "ذوي أخطار عالية".
تصاعد التحايل الضريبي في بريطانيا والأثرياء في المقدمة
وأشارت "فينما" العام الماضي إلى حسابين في غاية الخطورة لدى "اتش أس بي سي برايفت بنك - سويسرا" لم يدقق البنك بصورة كافية في مصدر الأصول ولا الغرض منها ولا خلفية أصحاب الحساب، وتضمنت تلك العمليات تحويل 300 مليون دولار من لبنان إلى سويسرا ما بين عامي 2002 و2015.
وفي الشهر الماضي كان فرع المجموعة المصرفية السويسري في قلب التحقيقات السويسرية في عمليات غسل أموال محتملة مرتبطة بتهريب مئات ملايين الدولارات، بواسطة محافظ البنك المركزي اللبناني السابق رياض سلامة.
هل يغيب البنك عن إدارة الثروات في المنطقة؟
كل تلك التحقيقات في شبهات غسل الأموال وتسهيل عمليات التهريب لشخصيات سياسية، أو تتولى مناصب عامة، دفعت البنك إلى وقف التعامل مع أثرياء من لبنان ومصر ودول خليجية وغيرها.
وفي وقت تراجع فيه نصيب المجموعة المصرفية من إدارة الثروات لعملاء من الشرق الأوسط يأتي الإجراء الخير ليزيد من تدهور مكانة الصيرفة الخاصة للمجموعة في المنطقة، ومع أن بعضاً منهم يرى أن تراجع مكانة "أتش أس بي سي" ستوفر فرصة لمنافسيه، مثل "ستاندرد تشارترد" وغيره، لزيادة أعمالهم في الشرق الأوسط باستقطاب أصحاب الثروات، إلا أن تلك المعايير المصرفية السويسرية والأوروبية مطبقة أيضاً لدى السلطات الأميركية والبريطانية وغيرها، وهناك توجه عام لزيادة عمليات التمحيص لمصادر الأموال وأغراضها وخلفية أصحابها من الأثرياء، خصوصاً إذا كانوا يتولون مناصب عامة.
وكان ذراع الصيرفة الخاصة لـ"أتش أس بي سي" في سويسرا عين علاء الدين هغاري مديراً للبنك السويسري في عام 2023، على أمل أن يوسع نشاط الفرع في إدارة ثروات مليونيرات الشرق الأوسط، الذي تراجع في السنوات السابقة.
وكان علاء يعمل سابقاً في منصب كبير مديري الثروات في بنك "كريدي سويس" الاستثماري، لكن الضربة الأخيرة ربما أضرت بهذا التوجه.
مع ذلك نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن الرئيس التنفيذي لإدارة الثروات العالمية في مجموعة "أتش أس بي سي" باري أوبايرن تأكيده أن البنك "ملتزم تماماً بصيرفة الثروات للشرق الأوسط وفي سويسرا"، مضيفاً "تلعب سويسرا دوراً أساسياً في دعمنا لعملائنا عالمياً، وإنها إحدى مراكز إدارة الثروة لدينا، واستراتيجيتنا هي تنمية قطاع إدارة الثروات لدينا لتقديم أفضل الخدمات لعملائنا في الشرق الأوسط والعالم".
لكن المؤكد أن الدور الريادي للمجموعة المصرفية، التي كانت تسهل لأصحاب الثروات في الشرق الأوسط نقل الأموال ما بين حساباتهم في فروعها والاحتفاظ بالثروات في مناطق إعفاء ضريبي، وتعتمد السرية المصرفية مثل سويسرا، لم يعد كما كان في السابق.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :