نزوح واغتصاب ووصم... أفريقيات في "الثالوث الجهنمي"

نزوح واغتصاب ووصم... أفريقيات في

لم تكن السودانية حليمة (23 سنة) استثناءً بين ضحايا الحرب التي تعصف ببلادها منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع". تروى شهادتها لـ"اندبندنت عربية"، "غادرت الخرطوم بعدما تعرضت لاغتصاب جماعي على أيدي مسلحين، ووصلت إلى القاهرة وفي أحشائي جنين من علاقة بالإكراه، ولا أمتلك وثائق تثبت هويته أو تساعدني في تسجيل الطفل".

 

Telegram

 

"من هو أبي؟ سؤال لا أعرف كيف سأجيب عنه عندما تكبر ابنتي وتطرحه علي. أحياناً أحمل نفسي اللوم، وأفكر أنه كان من الأفضل لو تخلصت منها منذ البداية، حتى لا تكبر وهي تحمل عاراً لا ذنب لها فيه"، بهذه الكلمات بدأت أماني، سودانية في عقدها الرابع، سرد معاناتها بعد تعرضها للاغتصاب داخل شقة سكنية في منطقة فيصل بالجيزة.

 

بصوت خافت استعادت أماني تفاصيل قلبت حياتها رأساً على عقب، وحولتها من ناشطة في دعم اللاجئات الأفريقيات ضحايا الاعتداءات الجنسية إلى ضحية لانتهاك مماثل. في خريف عام 2017، وبعد فترة قصيرة من وصولها إلى القاهرة، انضمت أماني إلى مبادرة "أحلى صحبة" التي أطلقتها ناشطات من جنسيات أفريقية مختلفة. وتبلورت فكرة المبادرة خلال ما يعرف بـ"جلسات القهوة"، وهو تقليد أفريقي تجتمع فيه النساء لتبادل مشكلاتهن في بلد اللجوء. تقول أماني، التي تنتمي إلى الجيل الثاني من مؤسسات المبادرة "لم أتخيل أن أواجه المصير نفسه الذي حاولت إنقاذ غيري منه".

 

تكشف "اندبندنت عربية" في تحقيقها الاستقصائي، استناداً إلى شهادات موثقة لنساء من جنسيات أفريقية مختلفة، عن قصور منظومة الحماية الموجهة للاجئات في مصر في التعامل مع قضايا العنف الجنسي. فغياب المسارات القانونية الواضحة للإبلاغ، وملاحقة الجناة، وتعقيدات تسجيل الأطفال الناتجين عن علاقات الإكراه، إلى جانب شهادات أخرى عن تجاوزات داخل بعض المنظمات الشريكة للمفوضية المعنية بتقديم الدعم النفسي، جميعها عوامل تبقي الضحايا داخل دائرة الصمت والتهميش، وتسمح للمعتدين بالإفلات من العقاب.

 

تقول مصر إنها تستضيف أكثر من 9 ملايين شخص من أكثر من 130 دولة، منهم لاجئون ومقيمون. وتشير بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة إلى أن 1.035.325 منهم مسجلون لديها كلاجئين وطالبي لجوء حتى نهاية أغسطس (آب) 2025.

 

وبينما لا تتوافر إحصاءات منتظمة حول ضحايا الاعتداءات الجنسية داخل مجتمعات اللاجئين في مصر، أظهرت تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالقاهرة لعامي 2019 و2020، ضمن "خطة استجابة مصر لدعم اللاجئين وملتمسي اللجوء من أفريقيا جنوب الصحراء والعراق واليمن"، أن من بين 1312 حالة جرى الإبلاغ عنها خلال الأشهر الأولى من عام 2019، كان 90 في المئة من الناجين من مواطني دول أفريقيا جنوب الصحراء، وظل الاغتصاب أكثر الجرائم المبلغ عنها ضمن حوادث العنف الجنسي والجنساني. كما رصدت المفوضية وشريكتها "هيئة كير الدولية" خلال عام 2018 نحو 1231 حالة عنف جنسي، بينها 696 حالة اغتصاب طاولت لاجئين من جنسيات أفريقية وأخرى مختلفة.

 

اغتصاب تحت التهديد

عن شعورها كضحية بعدما كانت ناشطة في دعم مثل هذه الحالات، تقول أماني بأسى "أشعر بالعجز، وكأنني لم أكن يوماً سنداً لضحايا الاعتداء الجنسي. توقفت عن نشاطي وخضعت للعلاج النفسي في مستشفى بالمقطم، وما زلت أتابع جلسات مع الأطباء".

 

وتضيف أماني، التي تعرضت للاغتصاب تحت التهديد بعد استدراجها إلى شقة في فيصل بالجيزة أثناء بحثها عن سكن، "من أكبر المشكلات التي تواجهنا كضحايا استخراج شهادات ميلاد للأطفال المولودين نتيجة اغتصاب. ابنتي تبلغ عامين، ولم أتمكن من تسجيلها أو توفير التطعيمات لها. لا أملك سوى إخطار ولادة، وإذا تعرضت لأية مشكلة صحية لا أستطيع إثبات أنني أمها".

 

بحسب مدير مكتب حق المعني بالدعم القانوني للاجئين الأفارقة في القاهرة ياسر فراج، فإن الحمل الناتج من الاغتصاب، سواء في بلد المنشأ أو أثناء التهريب أو خلال الإقامة، يترك أثراً قانونياً معقداً على وضع الأم والطفل، يبدأ مع محاولة تسجيل المولود. ويوضح أن الضحايا تتمكن غالباً من الحصول على إخطار ولادة من المستشفى، إلا أن المشكلة تظهر عند محاولة استخراج شهادة الميلاد الرسمية، مما يدفع كثيرات إلى اللجوء للمفوضية.

 

ويتابع "تقوم المفوضية بإضافة المولود إلى ملف الأم بناءً على إخطار الولادة، وتبدأ الإجراءات القانونية لاستخراج شهادة الميلاد، لكن العملية تشهد تباطؤاً شديداً، وقد تتوقف تماماً أحياناً".

 

بعض الحالات، كما يقول فراج، تجاوزت أربعة أعوام انتظاراً دون الحصول على شهادة ميلاد، مما يعوق حصولهم على إقامة قانونية، إذ تطلب الجوازات شهادة الميلاد لإضافة الطفل إلى إقامة الأم. ونتيجة لذلك، تحرم عائلات كاملة من الإقامة القانونية بسبب أن أطفالها ولدوا نتيجة اغتصاب، ولم يستكمل تسجيلهم رسمياً.

 

 

تنتقل أماني إلى الانتهاكات التي تواجه الضحايا داخل منظمات شريكة للمفوضية متخصصة بالتأهيل النفسي حيث تقطع بالقول "شخصياً، عانيت من متخصصة سودانية في منظمة بستك بعدما أفشت أسراري بين مجتمع اللاجئين السودانيين، وتوقفت عن التعامل معها. في مجتمعنا، لن ينظر أحد إليَّ كضحية إذا عرف تفاصيل الطفلة. ستلاحقني الأسئلة عنها، ومن أين جاءت".

 

لم يغب عن أماني نشاطها السابق في دعم ضحايا الاعتداء الجنسي من اللاجئات الأفريقيات "وثقنا في المبادرة أكثر من 100 حالة لنساء تعرضن لاعتداءات جنسية من السودان والصومال وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان. شملت حالات متعددة في أثناء التهريب إلى اعتداءات وقعت داخل البلد المستضيف، إذ يحصل الضحايا على أدوية أولية لمنع الحمل، وأحلنا حالات أخرى تحتاج دعماً نفسياً إلى أطباء تابعين للمفوضية".

 

واختتمت أماني "أكثر ما يخيفني مشكلة الإقامة. فخلال عودتي من عملي قد أتعرض للترحيل، ولن يسمحوا لي باصطحاب أولادي. مستقبل الطفلة يظل مجهولاً وكابوساً يلاحقني، فهي بلا أوراق تثبت ولادتها، وإن ماتت فكأنها لم تعش".

 

يعدد مدير مكتب حق للدعم القانوني للاجئين الأفارقة، الأسباب التي تقف حائلاً أمام استخدام الضحايا المسار القانوني ضد الجناة، "المشكلة مركبة، تبدأ بخوف الضحية من الوصمة المجتمعية حال قررت تحريك البلاغ، كما أن نسبة كبيرة من اللاجئات لا يحملن إقامات منتظمة، وهو ما يجعلهن تخشين الترحيل، إضافة إلى طريقة المباحث في التحقق من البلاغات ومدى صحتها، وصعوبة إثبات الواقعة".

 

وبينما لم تتعاف أماني بعد من الآثار النفسية لواقعة الاغتصاب، كانت الإريترية سمية عبدالراشد بدأت تستفيق من معاناتها، بعدما تعرضت بدورها لاعتداء جنسي خلال رحلة تهريبها وهربها من التجنيد الإجباري في بلادها، لتقع فريسة للاستغلال والاستعباد الجنسي على أيدي المهربين، الذين أجبروها على العمل خادمة فور وصولها إلى السودان، وهي لم تتجاوز الـ16 من عمرها.

 

سكن سري للضحايا

تقول عبدالراشد، التي فرت من مدينة كرن الواقعة على بعد نحو 91 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة الإريترية أسمرة، إنها التحقت برحلة تهريب إلى السودان هرباً من الخدمة الإلزامية، مستفيضة في سرد تفاصيل معاناتها قبل وصولها إلى القاهرة وتأسيسها مبادرة "سكن بديل" لدعم الأطفال والنساء اللاتي تعرضن للاغتصاب على يد المهربين أو في مراكز الاحتجاز على الحدود أو بعد وصولهن إلى مصر.

 

وتوضح أماني أنه لم يكن أمامها أثناء الالتحاق بإحدى رحلات التهريب في شتاء عام 2017، سوى الاستسلام للاتفاق الذي أبرمه المهربون مع إحدى العائلات في مدينة القضارف السودانية، إذ عبرت معهم الحدود. "بدأت العمل خادمة لدى رجل في عمر والدي، مقابل أن يحصل المهربون على أجري الشهري حتى تسديد المبلغ المتفق عليه لمواصلة الرحلة إلى القاهرة. كنت طفلة لا أفهم شيئاً، وعملت لديه تسعة أشهر قبل أن أتمكن من الهرب بعد تعرضي لاعتداءات جنسية".

 

وتعد سمية واحدة من آلاف الفتيات الإريتريات اللاتي هربن من نظام الخدمة الوطنية الإلزامية الذي يفرض على الشباب والفتيات، بمن فيهم من هم دون الـ18، في مخالفة صريحة للاتفاقات والمعاهدات الخاصة بحقوق الطفل.

 

وتقول، بصفتها المشرفة على مبادرة "سكن بديل"، "عندما جئت إلى القاهرة كنت ناجية من العنف، أما اليوم فأصبحت قادرة على التواصل مع منظمات دولية لمساعدة الضحايا. وبالتعاون مع ثلاث مشرفات، وضعنا ضوابط صارمة لتسكين الناجيات من الاعتداءات الجنسية، أهمها منع استقبال الرجال وتحديد مواعيد الخروج والعودة تحت إشراف المشرفات".

 

حين التقيتها داخل مكتبها بمنطقة فيصل في الجيزة، وهو المكان المخصص لاستقبال الحالات الراغبة في التعافي، أكدت سمية "حرصنا على أن يبقى موقع السكن سرياً لحماية المقيمات من الوصم داخل مجتمعات اللاجئين. ومنذ بداية عام 2021 استقبلنا أكثر من 60 حالة من جنسيات أفريقية مختلفة، من بينهن من تعرضن للعنف الجنسي خلال رحلات التهريب".

 

وحول شروط استقبال هذه الحالات شرحت "نقبل الحالات عبر قاعدة بيانات ومقابلات شخصية، ونعمل على ربطهن بمنظمات شريكة للمفوضية، مثل منظمة الهجرة الدولية وأطباء بلا حدود وسانت أندروز. وغالباً ما يشعر الأطفال بالخوف من التعامل مع هذه المنظمات، لذا نحاول تعزيز ثقتهم بها، ونوفر لهم كذلك متخصصات دعم نفسي للتعامل مع الصدمات".

 

وعن أكثر الحالات التي تأثرت بها، تقول سمية "طفلة إريترية جاءت عبر التهريب بعد تعرضها للاغتصاب الذي تسبب في حمل بالإكراه. كنت أتذكر معاناتي كلما نظرت إليها، فقد كانت صامتة طوال الوقت. استخرجنا لها خطاباً من لجنة اللاجئين الإريتريين، وبناءً عليه وافق أحد المستشفيات الحكومية على استقبالها. أقامت الطفلة في السكن السري شهرين بعد الولادة، وساعدناها في الحصول على اعتراف رسمي من المفوضية بطفلها".

 

"النساء والأطفال يعانون صدمات نفسية نتيجة العنف الذي يتعرضون له أثناء رحلات التهريب، مما يجعل معظمهم إما صامتين أو في حالة بكاء مستمر. لذلك لا يطلب منهم الحديث عما مروا به خلال الشهر الأول من إقامتهم. كثير من الأطفال لا يتحدثون العربية، ويعتمدون على لهجات محلية، مما يستدعي توفير مشرفات ملمات بهذه اللهجات لتسهيل التواصل".

 

ما تذكره سمية يتقاطع مع شهادة على عبدالرحمن، مسؤول مبادرة "رواد الرحمة" لدعم النساء الأفريقيات، الذي يقول "من أصعب الحالات التي استقبلناها طفلة إريترية في الـ14 من عمرها، وصلت إلينا بعد تعرضها للاغتصاب خلال رحلة التهريب التي قطعتها إلى مصر، إذ احتجزت في مخزن تابع للمهربين 20 يوماً".

 

ويضيف عبدالرحمن الذي كان رئيساً للجنة اللاجئين الإريتريين بالقاهرة حينها، "معظم النساء الإريتريات يتعرضن للاغتصاب خلال رحلات التهريب عبر مسارات ليبيا أو السودان أو مصر، على أيدي عصابات تنتمي إلى جنسيات متعددة، بينما يتعرض عدد كبير من الأطفال للتعذيب بغرض مساومة عائلاتهم".

 

وتابع "حين وصلت الطفلة إلينا كانت تحمل جنيناً في أحشائها، قمنا بالتنسيق مع منظمة أطباء بلا حدود، لتصبح أماً لطفل مجهول النسب". وبحسب عبدالرحمن، فقد وثقت اللجنة حالات انتحار لفتيات إريتريات نتيجة الآثار النفسية المترتبة على ما تعرضن له من عنف جنسي أثناء رحلات التهريب.

 

التأهيل النفسي للضحايا

توضح المتخصصة في التأهيل النفسي ياسمين الشاذلي أن آثار الصدمة تختلف من حالة إلى أخرى، وتتنوع تبعاً لعمر الضحية، سواء كانت طفلة أو بالغة. وتبين أن كثيراً من الحالات يعاني اضطراب ما بعد الصدمة، الذي يظهر في صورة كوابيس متكررة، ونوبات هلع، وتجنب للمواقف أو الأماكن التي تذكر بالاعتداء.

 

وتضيف الشاذلي أن الضحية غالباً ما تعيش شعوراً دائماً بالخوف وانعدام الأمان حتى بعد انتقالها إلى بيئة جديدة، فضلاً عن الإحساس بالذنب والعار، إذ تميل إلى لوم نفسها عما جرى، وتفقد الثقة بالرجال والسلطات والمجتمع المحيط بها.

 

وتتابع أن الأثر لا يقتصر على الجانب النفسي، بل يمتد إلى انعكاسات جسدية مثل الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً أو الحمل القسري، إلى جانب تبعات اجتماعية كوصم الضحية من محيطها. وغالباً ما تحكم النساء المعتدى عليهن على أنفسهن بقسوة، بينما يواجههن المجتمع باللوم بدل الدعم، مما يدفع كثيرات منهن إلى العزلة والخوف من الفضيحة أو الرفض.

 

وتشير الشاذلي إلى أن الضحايا أحياناً يواجهن ضعفاً في الحماية القانونية داخل بلدان اللجوء، يصعب معها الحصول على دعم قانوني لمحاسبة المعتدين، إضافة إلى الخوف من الفضيحة.

 

وتؤكد السودانية أمل عبدالحي المتخصصة في الدعم النفسي للاجئين الأفارقة والمشرفة على ملف الدعم النفسي للناجيات من العنف الجنسي في مبادرة "سكن بديل"، أنها تعاملت مع أكثر من500 حالة لأطفال أفارقة تعرضوا لصدمات متفاوتة، تنوعت بين فقدان الأهل والتعذيب على يد العصابات، من بينها نحو 100 حالة موثقة لفتيات تعرضن للاغتصاب ينتمين إلى جنسيات أفريقية مختلفة.

 

 

وتوضح عبدالحي أن الفتيات اللاتي يتعرضن للعنف الجنسي يعانين شعوراً بالعجز عن مواجهة المجتمع نتيجة ما يتكبدنه من أذى بدني ونفسي. مشيرة إلى أن الفريق القائم على المبادرة يعمل على مساعدتهن في استعادة الثقة بالنفس، خصوصاً في ظل حالة الخوف التي تلازمهن.

 

وتلفت كذلك إلى أنها لاحظت غياب الثقة لدى غالب الحالات التي تتلقى الدعم النفسي في التعامل مع المنظمات الدولية الرسمية، مؤكدة أن المبادرة تسعى باستمرار إلى تغيير الصورة الذهنية السلبية التي ترسخت لدى هؤلاء الأطفال تجاه تلك المؤسسات.

 

بينما تقول ميسون عبدالسلام، مدير مركز أجيال المستقبل التعليمي المجتمعي بمنطقة البراجيل بالجيزة، الذي يقدم خدمات مقصورة على فئة الأطفال غير المصحوبين بذويهم من المنتمين للجنسيات الأفريقية، إن ما يقارب 2000 طفل بالمركز تلقوا دعماً نفسياً من مؤسسات تابعة لمفوضية الأمم المتحدة.

 

وعن حالات الاستعباد الجنسي التي يتعرض لها الأفارقة خلال رحلة العبور وسط المهربين، روت مشهداً يشير إلى واقعة مفجعة إذ تقول، "تسلمت طفلة سودانية (17 سنة) من مؤسسة سانت أندروز بعد تعرضها للاستغلال من مهربين بمجرد وصولها أسوان، أجبرت على ممارسة الدعارة برفقة فتاتين من إريتريا والصومال، بعد تعرضهن للتهديد من قبل المهربين. اللافت أن الفتيات الثلاث طوال الفترة التي قضينها بأسوان، قرابة 12 يوماً، كن يعتقدن أنهن بالقاهرة، وتعرضهن للخداع من المهربين، الذين احتجزوهن بالشقة لممارسة الجنس. وقمنا بتحويل الطفلة مباشرة إلى منظمة أطباء بلا حدود من أجل تقديم الدعم الطبي اللازم لحالتها".

 

واستعادت ميسون إحصائية صادمة أجريت داخل المركز قبل ثلاثة أعوام، وقالت "مؤسسة ’صمويل هول‘ المتخصصة بالبحث في قضايا اللاجئين تعاونت مع هيئة إنقاذ الطفولة لإجراء جلسات مع الأطفال غير المصحوبين بذويهم، للوصول إلى نتائج حول الأمراض المنقولة من طريق الجنس. تكفلت بتجميع 200 طفل غير مصحوب بذويهم من الذكور والإناث، ينتمون إلى جنسيات أفريقية مختلفة، ممن تتبناهم مؤسسة ’سانت أندروز‘. والمنظمة عملت على مدار خمسة أيام متواصلة جلسات تفاعلية لهؤلاء الأطفال، وكشفت المقابلات أن 60 حالة تعرضت للاغتصاب، بنسبة تصل إلى 30 في المئة، أكثرهم من الذكور".

 

وخلال أبريل (نيسان) 2024، أثارت جريمة مروعة موجة صدمة وغضب على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بعد الكشف عن تعرض الطفلة السودانية الرضيعة "جانيت" للاختطاف والاعتداء الجنسي من قبل عامل توصيل في منطقة الكيلو 4.5 بمدينة نصر بالقاهرة، قبل أن يقدم على قتلها. وذكر الجاني في اعترافاته أن دوافعه تعود إلى ميول جنسية منحرفة تجاه الأطفال والجثث.

 

استعباد جنسي

ولم تكن السودانية حليمة (23 سنة) استثناءً بين ضحايا الحرب التي تعصف ببلادها منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع". وتروى شهادتها لـ"اندبندنت عربية"، "غادرت الخرطوم بعدما تعرضت لاغتصاب جماعي على أيدي مسلحين، ووصلت إلى القاهرة وفي أحشائي جنين من علاقة بالإكراه، ولا أمتلك وثائق تثبت هويته أو تساعدني في تسجيل الطفل".

 

وبحلول الـ31 من مايو (أيار) 2025، وثقت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان 368 حادثة عنف جنسي مرتبطة بالنزاع في السودان، شملت ما لا يقل عن 521 ضحية. وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من نصفها حالات اغتصاب، بما في ذلك اغتصاب جماعي، غالباً ما استهدفت النساء والفتيات النازحات داخلياً، فيما نسب أكثر من 70 في المئة منها إلى قوات "الدعم السريع".

 

تسرد حليمة حكايتها المأسوية "خرجت من السودان من دون أية أوراق، وحين أنجبت في القاهرة لم أستطع تسجيل الطفل باسمي. طفلي اليوم عمره عام، لا يمتلك أية أوراق ولا يحصل على التطعيمات، ولا أستطيع فعل شيء".

 

تستعيد حليمة تفاصيل ما جرى قائلة "كنت أعيش مع خالي وخالتي في منطقة الفتيحاب بالخرطوم، حين اقتحم خمسة من عناصر ’الدعم السريع‘ منزلنا وهم في حالة سكر. أطلقوا النار في الأرض لترويعنا، وتناثرت شظايا السيراميك على أجسادنا، ثم تناوبوا على اغتصابي وخالتي تحت تهديد السلاح. بعد ذلك نقلت إلى مركز صحي تابع لـ’الدعم السريع‘ حيث أعطوني حبوباً لمنع الحمل، لكنني حين وصلت إلى القاهرة اكتشفت أنني في الشهر الثالث من الحمل".

 

وحول أكثر ما تخشاه تضيف "أعيش بمفردي ولا أغادر المنزل إلا للضرورة. حياتي باتت كلها من أجل طفلتي. أخشى التعرض لاعتداء جديد، فأنا ما زلت صغيرة ومن دون سند. قطعت صلتي بمعظم السودانيين في القاهرة خوفاً من الوصم، معظم من سيسمع قصتي سيظن أن ما حدث كان بإرادتي".

 

بحسب الدكتورة صفاء حمودة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، فإن بعض ضحايا الانتهاكات الجنسية، لا سيما في سياق النزوح، قد يدخلن في حالة تعرف بـ"كربة ما بعد الصدمة"، إذ يعاودهن استرجاع متكرر ومؤلم لتفاصيل واقعة الاغتصاب حتى بعد مرور أكثر من ستة أشهر. وتستثار الذاكرة تلقائياً بأي محفز يعيد إلى الذهن مشاهد أو أصواتاً أو أماكن مرتبطة بالحادثة، مما يدفعهم إلى تجنب كل ما يذكرهن بها، إلى جانب معاناة من اضطرابات النوم، مما يستدعي في كثير من الحالات تدخلاً علاجياً يشمل الأدوية.

 

وتوضح حمودة أن المرحلة الأولية بعد الاعتداء الجنسي غالباً ما تتسم بما يسمى "اضطراب التكيف الحاد"، الذي قد يستمر من شهر إلى ثلاثة أشهر عقب الواقعة. وتشير إلى أن اللاجئين خصوصاً يعدون من الفئات الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية، نتيجة الانفصال القسري عن بيئاتهم الأصلية، والانتقال إلى بلدان تحمل ثقافات وأنماط حياة مغايرة، فضلاً عن تحديات التكيف مع لغة جديدة. وتفاقم الانتهاكات الجنسية من حدة هذه الضغوط، وبخاصة عندما تقترن بخلفيات من الحرب والدمار التي دفعتهن إلى الهجرة قسراً.

 

وبصوت خافت تختتم حليمة حديثها "حاولت الحصول على دعم نفسي بعد الولادة، وتواصلت مع إحدى المنظمات الشريكة للمفوضية، لكنهم وعدوني بالتواصل وتجاهلوني. لا أنام جيداً، ومشهد الاغتصاب لا يفارقني. كنت في سنتي الجامعية الثانية قبل اضطراري للجوء إلى القاهرة، ولا أعرف إن كنت سأعود إلى الدراسة أو إن كان المجتمع سيتقبلني".

 

وبينما ما زالت حليمة أسيرة آثار العنف الذي تعرضت له ويلاحقها في منامها، لا تزال أماني تحاول التعافي من اغتصاب أسفر عن حمل بالإكراه، وتستعيد ببطء نشاطها في دعم ضحايا الاعتداءات الجنسية، في حين تجاوزت سمية صدمتها بعد انخراطها في برامج تأهيل النساء اللاتي تعرضن للعنف الجنسي خلال رحلات التهريب إلى مصر.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram