في زمن لم تعد فيه الكلمة تُقال عبثاً، باتت للإعلامي كرامته، وللحرف هيبته، وللحقيقة جناحان لا يجوز كسرهما. ومع ذلك، لا تزال بعض العقليات تستصغر من يقف خلف الميكروفون أو الكاميرا، وكأنهم آلات تصوّر وتدوّن دون إحساس أو حضور إنساني.
ما حدث في قصر بعبدا، حيث وُصف الصحافيون بـ"الحيوانات" من قبل الموفد الأميركي توم براك، ليس مجرد إهانة لفظية...
بل اعتداء معنوي على شريحة تُشكّل قلب المجتمع النابض. أولئك الذين يحملون في أقلامهم قضايا الناس، وفي وجوههم شقاء الحضور والتوثيق، وفي وجدانهم حسّ الانتماء للوطن والحق.
القاعة التي شهدت هذا التجاوز لم تكن مجرّد مكان رسمي، بل بيت يُفترض أن يحتضن الاختلاف بوقار، لا أن يجلد الكلمة بعصا التكبر والوقاحة. وما زاد الطين بلّة أن الإساءة جاءت من ضيف، أي من المفترض أن يحترم آداب المقام قبل المقولة.
نقابة الصحافة اللبنانية لم تسكت. ردّت بكلمات حاسمة وواعية، مشددة أن من يسيء للإعلامي إنما يهين كل مواطن ينتظر معلومة، وكل إنسان يبحث عن نور في عتمة الأخبار الموجّهة. وفي المقابل، جاء بيان رئاسة الجمهورية متناغماً مع الوجدان العام، مؤكداً الاحترام التام لكرامة الصحافيين، موجّهاً لهم التحية والتقدير على تعبهم ومهنيّتهم.
لكن هل يكفي الاعتذار أو البيان؟ أم أن الأمر يتطلب مراجعة أشمل لموقع الإعلام في حياتنا السياسية؟ إنّ ما جرى ليس حادثة معزولة بل انعكاس لتراكم من الاستهانة بأدوار الإعلام، ومحاولة مكشوفة لتهميش الصوت الحر.
يا سادة القرار، لا تسخروا من الحبر، فقد يُغرقكم يومًا. ولا تهينوا من ينقل صورتكم، لأن صوركم بدونهم ستكون بلا ملامح.
وللإعلاميين نقول: أنتم الضوء في ممرات الرماد، فلا تنطفئوا.
بقلم : فاطمة يوسف بصل.
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي