الحلفاء والوفاء في السياسة: اختبار الحقيقة في زمن الأزمات
الدكتورة رشا أبو حيدر
تُظهر التجارب السياسية أن مفهوم التحالف لا يُقاس فقط بمدى التقارب في المصالح أو توافق المصالح الآنية، بل يُختبر في المواقف الصعبة حيث يتجلّى معنى الوفاء أو ينكشف زيف الشعارات. فالسياسة ليست مجرد حسابات باردة أو تفاهمات مؤقتة، بل هي أيضًا شبكة من الالتزامات الأخلاقية والاعتبارات المعنوية التي تحدّد مدى صلابة أي تحالف وقدرته على الصمود.
- التحالف بين المصلحة والمبدأ
التحالف السياسي غالبًا ما يقوم على مصلحة مشتركة، سواء كانت دفاعًا عن سيادة دولة، أو مواجهة تهديد خارجي، أو تحقيق إصلاح داخلي. لكن التحالف القائم على المصلحة وحدها يظل هشًّا، سرعان ما يتفكك إذا تغيّرت الظروف. أما التحالف الذي يُبنى على الثقة المتبادلة والالتزام بالقيم المشتركة، فيمتلك عناصر البقاء حتى عندما تتبدّل موازين القوى أو تتعقّد الأزمات.
فالوفاء هنا لا يعني الغفلة عن الحسابات الواقعية، بل يعني احترام التعهّدات، وعدم التخلي عن الشريك ساعة الحاجة.
- الأزمات ككاشف للوفاء
في الظروف الطبيعية، يسهل على الأطراف التمسك بخطاب الوفاء. لكن عند الأزمات – حرب، أزمة اقتصادية، ضغوط دولية – يظهر الاختبار الحقيقي. فمن يثبت بجانب حليفه في لحظة الضعف، يبرهن أن تحالفه لم يكن مجرد ورقة تكتيكية.
وعلى العكس، فإن التخلّي عن الحليف في لحظة الخطر لا يترك أثرًا مرحليًا فقط، بل يدمّر الثقة لعقود طويلة، ويجعل أي خطاب عن “الشراكة الاستراتيجية” بلا مضمون.
- البُعد الأخلاقي والإنساني
السياسة لا تنفصل عن القيم. صحيح أنّها مجال للمصالح، لكن الوفاء بين الحلفاء يمنحها بعدًا إنسانيًا وأخلاقيًا يحميها من التحوّل إلى لعبة خالية من الضوابط. فالحليف الوفي لا يرى في الآخر مجرد أداة لتحقيق غاياته، بل شريكًا حقيقيًا يتقاسم معه الخسائر قبل المكاسب. وهذا ما يميّز التحالفات التاريخية الراسخة عن التحالفات الظرفية العابرة.
الوفاء في السياسة ليس رفاهية ولا شعارًا رومانسيًا، بل هو شرط لاستقرار العلاقات بين الحلفاء. ففي الأزمات العاصفة، لا يُقاس الحليف بقدرته على المشاركة في الانتصار، بل بمدى استعداده للثبات عند الانكسار. لذلك، يبقى الوفاء قيمة نادرة في عالم السياسة، لكنه معيار يحدّد إن كان التحالف استراتيجيًا أصيلًا أم مجرد صفقة مؤقتة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي