"زائر" يثير المخاوف في لبنان
لم يكن عبثاً أن يزور المبعوث الأميركي توم باراك إسرائيل قبل أن يحطّ رحاله في بيروت. فالرجل سلّم تل أبيب، عملياً، أهم ورقة في تاريخها، وهي قرار الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس نواف سلام بنزع سلاح جميع الفصائل قبل نهاية العام 2025.
هذا القرار بحجم تحوّل إستراتيجي، وضع في يد إسرائيل مكسباً لم تكن تحلم بتحقيقه لا عبر الحروب ولا عبر المفاوضات، لتتحوّل عودة باراك إلى لبنان إلى محطة مفصلية بين أن ينال لبنان ثمناً سيادياً وسياسياً لهذا التنازل، أو أن يجد نفسه عارياً أمام الداخل والخارج على حد سواء.
هذا القرار، الذي يُعد "خطوة نوعية" في مسار السلطة اللبنانية، لم يأتِ حبراً على ورق، بل بدأ تطبيقه فعلياً على الأرض من خلال نزع السلاح داخل المخيمات الفلسطينية، في مشهدٍ يعكس جدّية الدولة في استعادة سيادتها الكاملة. غير أنّ هذه الخطوة، على أهميتها، تثير مخاوف عميقة من أن تتحوّل إلى تنازل مجاني، إذا ما عاد باراك من إسرائيل إلى بيروت من دون أي التزامات مقابلة.
فالرهان اللبناني لم يكن يوماً على إرضاء إسرائيل، بل على تحقيق مكاسب وطنية ملموسة توازي حجم التضحيات. وفي هذا الإطار، تتوزّع الآمال بين انسحاب إسرائيلي من بعض النقاط المحتلة، أو إطلاق مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، أو على الأقل التزام واضح بوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. غير أنّ كل هذه الآمال تبقى رهينة ما سيحمله باراك في حقيبته، وهو ما يضاعف القلق من أن تكون عودته خالية الوفاض، الأمر الذي سيضع الحكومة اللبنانية أمام سؤال مصيري: "لماذا تقدّم السلطة كل أوراقها بينما الطرف الآخر يرفض ملاقاته في منتصف الطريق؟"
ومع كل خطوة تقدّمها بيروت، يزداد حجم التساؤلات حول حقيقة النوايا الإسرائيلية. فهل تقتصر على محاولة تحييد حزب الله وضرب نفوذه، أم أنّها تتجاوز ذلك نحو مشروع توسّعي أشمل تحت عنوان "إسرائيل الكبرى"؟ وهل الإبقاء على بعض النقاط اللبنانية محتلة ليس سوى تفصيل صغير في سياق إستراتيجية أبعد تهدف إلى إبقاء لبنان ضعيفاً وممزّقاً من الداخل.
هكذا، تتحوّل زيارة باراك المرتقبة إلى أكثر من مجرد مهمة دبلوماسية، لتصبح اختباراً سياسياً وجودياً: فإمّا أن يعود ومعه ضمانات ملموسة تترجم التنازل اللبناني إلى مكاسب حقيقية، وإمّا أن يجد لبنان نفسه أمام موجة جديدة من الفوضى والانقسامات الداخلية، حيث تُتّهم السلطة بأنّها قدّمت أثمن ما لديها من دون أن تحصل على أي مقابل.
في الحالتين، سيكون لبنان على عتبة مرحلة حساسة، لكن الفارق بين أن يخرج منها أقوى أو أن ينزلق إلى مأزق أخطر، كل ذلك يتوقف على ما سيضعه توم باراك على طاولة بيروت بعد زيارته لتل أبيب.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي