العلاقات الاقتصادية الأميركية – الأوروبية: رسوم جمركية وشبح أوكرانيا
تعيش العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لحظة مفصلية بعد اللقاءين المتلاحقين للرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ثم الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وما سبقهما من اتفاقات تجارية مع بروكسل ولندن وكييف.
هذه التطورات لا يمكن قراءتها بمعزل عن سياسة ترامب المستندة إلى “إعادة توازن” التجارة العالمية عبر الرسوم الجمركية، ومحاولاته ربط الملفات الاقتصادية بالسياسية والأمنية.
سياسياً، جاء لقاء ترامب – بوتين في ألاسكا ثم اجتماعه الى زيلينسكي في واشنطن ليفتحا الباب أمام حديث أميركي عن ضمانات أمنية لأوكرانيا، إذا جرى التوصل إلى اتفاق سلام بين موسكو وكييف. وعلى رغم أن هذه الضمانات لم تتضح معالمها بعد، يرى الأوروبيون أنها قد تشكّل أساساً لوقف الحرب الممتدة منذ أكثر من ثلاث سنوات. لكن ما يلفت النظر هو أن ترامب أوقف حزمة عقوبات إضافية كانت ستُفرَض على موسكو، في إشارة إلى أنه يراهن على صفقة محتملة مع بوتين، وهذا ما يزيد قلق العواصم الأوروبية التي تعتمد على استقرار أوكرانيا شرطاً لاستقرار القارة.
اقتصادياً، كان التطور الأبرز توقيع اتفاق تجاري بين واشنطن وبروكسل في تموز (يوليو)، ينص على فرض رسوم جمركية أميركية بنسبة 15 في المئة على السلع الأوروبية، أي نصف النسبة (30 في المئة) التي كان ترامب يهدد بها. الاتفاق أنقذ مبادلات قيمتها تقارب تريليون دولار سنوياً (976 مليار دولار عام 2024)، إذ استوردت الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي ما قيمته 606 مليارات دولار في مقابل صادرات أميركية إلى أوروبا بحجم 370 مليار دولار. ومن المتوقع أن يوفر الاتفاق نحو 90 مليار دولار لخزينة واشنطن، إضافة إلى التزامات أوروبية بالاستثمار في السوق الأميركية بقيمة 600 مليار دولار في مجالات عدة، بينها 750 مليار دولار في قطاع الطاقة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
إلا أن الاتفاق يبدو غير متوازن في نظر بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا التي حصلت على استثناءات محدودة (قطاع المشروبات الروحية مثلاً)، لكنها رأت أن التكلفة لا تزال مرتفعة. في المقابل، حصلت بريطانيا على معدل للرسوم يساوي 10 في المئة فقط بموجب اتفاقها مع واشنطن، ما يمنحها ميزة تنافسية على حساب الشركات الأوروبية.
وعززت واشنطن موقعها في أوكرانيا عبر اتفاق الموارد الطبيعية الموقع في أيار (مايو) 2025، والذي ينص على إنشاء صندوق استثمار لإعادة الإعمار بملكية مشتركة (50/50) بين الطرفين. يغطي الاتفاق قطاعات حيوية مثل الغرافيت والتيتانيوم والليثيوم والمعادن النادرة المستخدمة في البطاريات والتكنولوجيات الدفاعية. هذا الاتفاق يمنح واشنطن موقعاً استراتيجياً في سوق المعادن الحرجة التي تسيطر الصين اليوم على أكثر من 60 في المئة من إنتاجها العالمي، ويؤكد أن واشنطن تنظر إلى الاقتصاد والطاقة كجزء من أدوات النفوذ الجيو-سياسي.
تداعيات هذه السياسات على العلاقات الأميركية – الأوروبية معقدة. من جهة، يسعى ترامب إلى تقليص العجز التجاري الأميركي مع أوروبا، والذي تجاوز 236 مليار دولار عام 2024. ومن جهة أخرى، يتحمّل الاتحاد الأوروبي أعباءً إضافية، سواء من خلال رسوم مرتفعة أو التزامات ضخمة بالاستثمار في السوق الأميركية. هذا قد يدفع بعض الشركات الأوروبية إلى التفكير في نقل جزء من عملياتها إلى بريطانيا للاستفادة من الرسوم الأقل، على رغم أن خبراء يرون أن “التباينات الهامشية في الرسوم” قد لا تكفي لتبرير تحولات كبرى في سلاسل الإنتاج.
في المحصلة، يمكن القول إن العلاقة الاقتصادية عبر الأطلسي تدخل مرحلة جديدة عنوانها “الاعتماد المتبادل المشروط”. الولايات المتحدة تعد بتوفير مظلة أمنية في أوكرانيا وتفتح أسواقها من ضمن شروط قاسية، فيما يضطر الأوروبيون إلى موازنة تكلفة هذه التنازلات مع حاجتهم إلى استقرار سياسي واقتصادي.
أما بريطانيا، فترى فرصة للتموضع كممر تجاري أكثر ربحية نحو السوق الأميركية. لكن سياسة الرسوم الجمركية المرتفعة قد تؤدي في الأجل المتوسط إلى إبطاء نمو الاقتصاد الأميركي نفسه، ما ينعكس سلباً على أوروبا والعالم بأسره، ويجعل هذه “الصفقات الكبرى” أقرب إلى تسويات موقتة منها إلى شراكات مستدامة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي