رجل الثوابت في بحر المتغيّرات: جهاد الصمد ومشهد السياسة اللبنانية المتحوّلة

رجل الثوابت في بحر المتغيّرات: جهاد الصمد ومشهد السياسة اللبنانية المتحوّلة

 

Telegram

كتب رشيد حاطوم 

 

في بلدٍ اعتاد أن تشكّل فيه التحالفات والمواقف دفعةً واحدةً من «مصالح وقتية»، يظهر في المشهد النيابي اللبناني رجلٌ اختار أن يكون تمثيلًا للثوابت في خضمّ تبدّل المواقع: النائب جهاد الصمد.

منذ انتخابه إلى مجلس النواب اللبناني، برز الصمد في أكثر من محطة باعتباره نائبًا يحمل رؤية وطنية وقومية لا تنحني أمام رياح اللحظة. ففي وقتٍ انقلبت فيه كثير من القوى السياسية أو أعادت ترتيب أوراقها وفقًا للموازين الجيوسياسية والداخلية، فقد ظل الصمد متمحوراً حول فكرة أن مصلحة لبنان أولاً، وقضية فلسطين في القلب، وليس كعبٍ سياسي يُطرَح حسب المعادلات.

في السنوات التي أعقبت اتفاق الطائف، شهد لبنان تحولات سياسية هائلة: إعادة بناء الثنائيات، تغيير محاور النفوذ، ظهور وجوه انتخابية جديدة، وتأثر الداخل اللبناني بشكلٍ متنامٍ بمتغيّرات إقليمية ودولية. في هذا الإطار، لا يصحّ أن يُنظر إلى الواقع السياسي اللبناني كما كان منذ عقود، بل كرصيفٍ تتحرّك عليه القوى بحسب المعادلات. واللافت أن الصمد تحلّى بموقفٍ واضح: ليس «تكيّفاً» بل تموضعاً وفق قناعات.

مثال ذلك: انتخابه رئيسًا للجنة الدفاع الداخلي والبلديات، وهو موقعٌ ذي حسّاسية وأهمية متزايدة في سياق الأوضاع الأمنية والاجتماعية. كما أنه أعلن ثقته بالحكومة ومساندتها في برنامج الإصلاح، وهذا يعكس حسّاً معلناً بالمسؤولية الوطنية بدل الانكفاء الحزبي. 

ما يجعل الصمد محطّ اهتمام هو أنه اختار – أو يبدو أنه اختار – أن يكون جسرًا بين القوى التي تعتبر نفسها ضمن محور «المقاومة» وبين الواقع الحياتي للمواطن اللبناني. ففي اللحظة التي تتداخل فيها المعادلات العسكرية، الأمنية، السياسية والانتخابية، يظهر أنه لا يريد أن يكون مجرد قطعة في لعبة التحالفات، بل نائباً يرى أن دوره يتجاوز فقط صناديق الاقتراع أو القوائم الانتخابية.

ليس خفيًا أن المشهد السني اللبناني، خصوصًا في الشمال، شهد تقلبات في المواقف، بين من يركّب موجة «المستقبل» وآخرين ينتمون إلى منطقٍ مختلف. وفي هذا السياق، يأتي الصمد ليقول: «أنا لست سلعة سياسية تُباع وتشترى» — حسب ما صرّح به. وهذا التصريح وحده يعكس نوعًا من التحدّي في بيئة تتغيّر فيها المواقف كثيرًا.

في ممارسته البرلمانية والنيابية، ومن خلال مواقفه، يبدو أنّه لا يزال يؤمن بأن العلاقة مع القوى الإقليمية أو المحاور لا تُحتَكر بخط ثابت، بل تُبنى على ما يخدم لبنان أولًا: استقرارًا، أمنًا، اقتصادًا، مشروعا وطنيا يعوّل على تكامل الدولة والمقاومة والمواطن. وبينما بعض القوى تغيّرت مواقعها بحسب التوازنات، اختار الصمد أن يكون مراسًا من النوع الذي لا يجرفه التيار، بل يُنسّق معه من دون أن يُفقد نفسه.

ختامًا، إنّ تجربة جهاد الصمد تعكس لا فقط مسارًا شخصيًا أو انتخابيًا، بل نموذجًا عن كيفية “البقاء واقفًا” في زمن التغيّر: عندما يكون المبدأ الواضح، عندما تُقدّم القناعات على الفرص اللحظية، ويكون الوطن فوق كلّ اعتبار.

 

وفيما تبقى التحالفات مفتوحة، والخرائط السياسية في لبنان تُعاد رسمها كل يوم، يبقى السؤال: هل يستطيع من يحمل هذا النوع من الثبات أن يحوّل رؤيته إلى قوة تأثير حقيقية في البيئة التي غالباً ما تُحتكم فيها إلى “من هو الأقوى” أكثر من “من يملك المبدأ”؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram