منذ اندلاع “حرب الإسناد”، تحوّل شمال إسرائيل إلى ساحة مواجهة مفتوحة، حيث حولت صواريخ حزب الله وقذائفه مدن وبلدات الجليل والمناطق الحدودية إلى مناطق شبه خالية من السكان، وأخرى تترنح تحت وطأة الخراب الاقتصادي. مشهد الأسواق المغلقة، المحال الفارغة، والمشاريع المهجورة بات عنوانًا يوميًا، فيما يواجه أصحاب الأعمال معركة بقاء لا تقل قسوة عن المعركة العسكرية، وفق ما أورده موقع “واللا” الإسرائيلي.
في ظل هذا الواقع القاتم، انطلقت مبادرة “من أجل الشمال”، التي أطلقتها مؤسسة اليانصيب الوطنية الإسرائيلية بالتعاون مع موقع “واللا” وشركة “إليفيشن”، لتمنح بصيص أمل عبر تدريب أصحاب المشاريع على النشاط التجاري في شبكات التواصل الاجتماعي، وفتح نوافذ جديدة للوصول إلى زبائن وأسواق بعيدة عن مناطق الخطر.
الأرقام التي كشفها اتحاد منظمات المستقلين في إسرائيل صادمة: نحو 59 ألف مشروع صغير أقفل أبوابه منذ بدء القتال، وأكثر من 80% منها كانت مشاريع صغيرة لا يتجاوز عدد العاملين فيها خمسة أشخاص – صالونات حلاقة، عيادات، مطاعم، ومحال ألبسة – هي بمثابة العمود الفقري للاقتصاد المحلي في الشمال.
منطقة الجليل وحدها تحتضن 101 ألف مشروع مهدد بالانهيار المباشر، فيما تواجه منطقة حيفا خطرًا مشابهًا مع وجود 76 ألف مشروع آخر تحت تهديد البقاء.
غال كول، مدير النشاط التجاري في “إليفيشن”، قال لـ”واللا” إن “المشاريع الصغيرة في مجالات الخدمات المحلية كانت الضحية الأولى منذ بداية الحرب – المطاعم، العيادات، صالونات الحلاقة، المحال التجارية، والمشاريع السياحية”. وأوضح أن الضربة كانت أشد في الجليل الأعلى وكريات شمونة والمناطق القريبة من الحدود، حيث أُخليت بلدات بكاملها من سكانها بفعل القصف والنزوح.
البعد الإنساني للأزمة ظهر في شهادة مايا ليفين، مديرة البرامج في “إليفيشن”، التي أوضحت لـ”واللا” أنهم “التقوا بنساء مستقلات قويات أسسن مشاريعهن بجهد شخصي، لكن وجدن أنفسهن فجأة وحيدات – يدرن المنزل، والأطفال، والمشروع الذي يجب أن يستمر، بينما الأزواج في الخدمة العسكرية الاحتياطية لأشهر متواصلة. الأمر تجاوز الخسائر الاقتصادية ليصبح تحديًا شخصيًا ومجتمعيًا عميقًا”.
قطاع السياحة كان أكثر القطاعات نزفًا. فبحسب جمعية السياحة في الجليل الغربي، التي نقل عنها “واللا”، بلغت الخسائر المباشرة أكثر من 150 مليون شيكل. مديرة الجمعية أوشرت زهافي قالت: “منذ 7 تشرين الأول، انخفضت نسب الإشغال السياحي بنسبة 85% مقارنة بالعام الماضي. وفي المناطق الحدودية، أغلقت معظم المشاريع أبوابها لأشهر طويلة – بيوت ضيافة، مجمعات استضافة، مطاعم، ومعالم جذب – مشاريع صغيرة ومتوسطة لم تعرف النشاط منذ أكثر من تسعة أشهر”.
زهافي وصفت الوضع بقولها: “الأمر ليس مجرد ضربة اقتصادية – بل ضربة لروح المنطقة وصورتها. السياحة هي محرك الحياة، وغيابها يشل المنطقة بأكملها”.
غال كول أضاف لـ”واللا” أن المشاريع التي استطاعت الصمود هي تلك التي حافظت على التواصل مع زبائنها وامتلكت أدوات رقمية للتجارة الإلكترونية قبل الحرب أو تمكنت من التكيف بسرعة. وأردف: “أصحاب المشاريع الذين احتفظوا بموظفين أساسيين أو حولوا نشاطهم للعمل عن بُعد كانوا الأفضل حالًا، أما من لم يدخلوا العالم الرقمي وفقدوا زبائنهم فقد انهاروا بالكامل”.
مبادرة “من أجل الشمال” جاءت كخطة إنعاش مصغرة، تقدم مسارات عملية في التسويق الرقمي، الإدارة المالية، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب مرافقة شخصية ودعم مجتمعي. ليفين وصفت المبادرة بأنها “أوكسجين لا ينعش المشروع فحسب، بل مجتمعًا كاملًا يحاول النهوض من الركام”.
على الصعيد الإقليمي، لا تزال خطة إعادة إعمار شاملة معلقة بانتظار قرار حكومي. زهافي قالت لـ”واللا”: “تم إعداد خريطة بالاحتياجات ووُضعت مبادئ خطة لإعادة الإعمار تشمل دعم المشاريع، حملات إقليمية، تطوير باقات سياحية، وأنشطة إعلامية، لكن كل ذلك متوقف على التمويل”.
في موازاة ذلك، تعمل جمعية السياحة والمجالس المحلية مع وزارات حكومية وجهات مانحة لتنظيم مهرجانات وأنشطة لجذب الزوار. زهافي ختمت بالقول: “الجليل الغربي مفتوح ويرحب بالزوار. الزيارة هنا ليست مجرد عطلة، بل دعم لمجتمع يقاتل من أجل البقاء”.
كما لفتت إلى بروز مؤشرات أمل: “أسواق المزارعين الممولة من وزارة تطوير النقب والجليل والصلابة الاجتماعية أصبحت ركيزة اقتصادية واجتماعية، تساعد المشاريع على العودة للعمل، وتبعث برسالة واضحة: نحن هنا باقون”.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :