كتب رشيد حاطوم
لبنان على حافة الهاوية
تشهد الساحة اللبنانية تصاعدًا خطيرًا في التوتُّر السياسي والأمني، وسط تحذيرات من تداعيات القرارات الحكومية الأخيرة والمواقف الدولية المتشابكة. فبعد دخول لبنان مرحلة "المواجهة الحاسمة"، يبرز دور رئيس الحكومة نواف سلام وأصحابه في تبني خيار التحالف مع الولايات المتحدة، متجاوزين بذلك تفاهمات جانبية سبق الاتفاق عليها مع حزب الله، مما يفتح الباب أمام مواجهات محتملة.
التصعيد الأمريكي وتدويل الملف الأمني
في ظل عجز الدولة عن تنفيذ مهامها الأساسية، ومن بينها نزع السلاح، باتت واشنطن تمتلك ذريعةً لتدويل الملف الأمني اللبناني، مستندةً إلى حجة أن "الدولة عاجزة" وأن حزب الله "يتمرد على قراراتها". وقد يترتب على ذلك تصاعد الخطاب المعادي للحزب، مع محاولات لإغلاق مؤسساته الاجتماعية والمالية والصحية، مما قد يدفع البلاد نحو مواجهة داخلية يصعب احتواؤها.
تشير التطورات الأخيرة إلى تراجع الثقة الأمريكية بالرئيس جوزاف عون كشريك في تنفيذ الأجندة المطلوبة، مقابل تصاعد نجم رئيس الحكومة نواف سلام كخيار بديل. وفي هذا الإطار، يُنظر إلى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع على أنه الخصم الأبرز للرئيس عون، وليس حزب الله، مما يعكس تحولًا في خريطة التحالفات والصراعات الداخلية.
مخاطر الصدام الداخلي وغياب آلية التهدئة
رغم التصريحات المتبادلة، فإن المؤشرات تُشير إلى أن الدولة لن تخوض مواجهة مسلحة مع حزب الله، كما أن الحزب بدوره لن يصطدم بالجيش اللبناني. لكن الخطر الحقيقي يكمن في التصعيد المتوقع بين الحزب و"بعض الرؤوس الحامية"، وعلى رأسها القوات اللبنانية التي توعدت بـ"15 ألف مقاتل"، في إشارة إلى استعدادها لمواجهة محتملة.
دور سمير جعجع في المشهد السياسي:
وفي قلب هذه المعادلة المعقدة، يبرز دور سمير جعجع كعامل تصعيد رئيسي في الأزمة الحالية. حيث تشير التحليلات السياسية إلى أن جعجع يمثل التوجه الأكثر تشدداً في المعارضة للحكومة ولحزب الله، اذ تتخذ القوات اللبنانية مواقفاً متصلبة تدعو إلى:
مواجهة مباشرة مع حزب الله
التمسك بالخيار الغربي دون مرونة
رفض أي صيغة تفاوضية تشرعن وجود المقاومة
ويُعتبر جعجع - بحسب مراقبين - العدو السياسي الأبرز للرئيس جوزاف عون، أكثر حتى من حزب الله، حيث تشهد الساحة السياسية صراعاً على النفوذ بين الطرفين يفوق في حدته الخلافات التقليدية بين القوات وحزب الله. هذا الصراع يضيف بُعداً جديداً للأزمة، حيث تتحول الخلافات السياسية إلى احتقان طائفي قد يُفجّر الوضع في أي لحظة، خاصة مع التصريحات المتكررة للقوات اللبنانية التي ترفع سقف التهديدات وتُحمّل حزب الله مسؤولية كل الأزمات.
تأثير هذا الصراع على المعادلة السياسية:
يعيق أي محاولة للتوصل إلى حلول توافقية
يزيد من حدة الاستقطاب الطائفي
يقدم الذرائع للتدخلات الخارجية
يحوّل الانتباه عن الأزمة الاقتصادية الملحة
يهدد بتحويل لبنان إلى ساحة صراع بالوكالة
هذا الوضع يجعل من دور سمير جعجع أحد العوامل الحاسمة في تحديد مسار الأزمة اللبنانية، سواء نحو مزيد من التصعيد أو نحو البحث عن مخارج سياسية.
ويُعزى جزء من هذا التصعيد إلى غياب دور الأمين العام لحزب الله سيد الشهداء السيد حسن نصرالله، الذي كان يُعتبر في السابق عنصرًا أساسيًا في تهدئة الأجواء وضبط التوترات قبل خروجها عن السيطرة.
لبنان يقف عند مفترق طرق خطير، حيث تهدد القرارات السياسية الخاطئة والتدخلات الخارجية بإشعال فتيل صراع داخلي قد يكون الأقسى في تاريخ البلاد. وفي ظل غياب أي آلية حقيقية للحوار أو ضبط النفس، تتعاظم المخاوف من انزلاق لبنان نحو مواجهة لا يُحمد عقباها.
إن اللحظة التاريخية تتطلب حكمة سياسية استثنائية تدرك أن استقرار لبنان يبدأ من استثمار كل أوراق القوة المتاحة، مع العمل الجاد على معالجة الأزمة الاقتصادية التي تهدد النسيج الاجتماعي. فالمقاومة التي كانت ولا تزال عاملاً أساسياً في الحفاظ على سيادة لبنان، يمكن أن تتحول إلى أداة لتعزيز موقف الدولة إذا ما أحسنت الأخيرة استخدام هذه الورقة، بعيداً عن الاستقطابات الحادة والمشاريع الخارجية التي لا تخدم إلا أجندات القوى الدولية.
هذا هو اختبار السيادة الحقيقي للبنان وقادته: هل يستطيعون تحويل التحديات إلى فرص، أم سيسمحون بانزلاق البلاد إلى هوة لا قاع لها؟ الساعة تدق، والوقت ليس في صالح لبنان.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :